الأحد، 22 سبتمبر 2013

امسية في القصباء!



عاد وليد من المدرسة حزينا بعض الشيء لان عليه كتابة بعض الواجبات التي لم تكن في الحسبان. فهو يعلم ان مدرسته لا تعطي الطالب واجبات مدرسية! وبعد مراجعة مقرر الاسبوع اتضح ان تلك الواجبات لا تذكر وتكفيها نصف ساعة يوميا او اقل.
المهم، حاول التملص قدر الامكان من صفحة القراءة. الى ان ادخلت ال "buzz" المستوحى من برنامج مواهب العرب، وكان صوريا فقط امثله بيدي واطلقه مع كل كلمة خاطئة. اعجبته اللعبة، لكنه حاول التملص مجددا وسأل اذا بالامكان ان اصحبه الى ملعب كرة القدم في مجمع القصباء الترفيهي القريب من بيتنا. وافقت شرط ان ينهي القراءة دون اخطاء قبل غروب الشمس.
انهى القراءة بحماسة شديدة وارتدى لباس كرة القدم.
كنت اعلم ان هذه الملاعب يتم تأجيرها لمجموعات وبالساعة اي انه لن يتسنى له اللعب، لكن اعلم بالمقابل ايضا انه لن يصدقني حتى يرى بنفسه. 
جهزته للخيبة ونحن في الطريق:
- ماما وليد! ماذا نفعل لو كانت الملاعب مغلقة؟
- وهل تكون مغلقة؟
- لا اعلم الآن لكن ربما. الا تذكر اننا قصدناها مرة ولم نجد احدا؟
- نعم اذكر.
- اذا ماذا نفعل؟
- ربما نصعد "عين الامارات" ( وهو نسخة مصغرة من "عين لندن"، جولة تصل ارتفاع 60 مترا فوق الشارقة!)
- فكرة جيدة. لكن ما رأيك لو نزور عمتك؟ بيتها ملاصق.

ووليد يحب ابن عمته حبا جما فاقترح ان نصحبه معنا في جولة في القصباء. فجهزته لخيبة اخرى وشرحت اننا في وسط ايام مدرسة وابن عمتك ينام باكرا ويدرس قبل النوم، فربما لن يخرج معنا في هذا الوقت، وكانت الساعة تقارب السابعة مساء.
زرنا بيت العمة زيارة سريعة وخرجنا بمفردنا، وليد وانا (كما توقعت) الى جولة في القصباء.
وصلنا المجمع، اشترى وليد البطاطس المقلية واختار رحلة صغيرة في قارب من مجموعة جديدة تتسع لثلاثة اشخاص يقودها احدهم بنفسه! اعجبته الفكرة وقاد القارب بنا قرابة عشر دقائق. علمته كيف يستغل تلك الدقائق الجميلة في الماء والهدوء وضوء القمر للاسترخاء! وفعلا نسي حزنه (لان ابن عمته لم يرافقه) واندمج مع ماما في حديث مطول. هو يسأل الكثير من الاسئلة وانا استمتع بالاجابة. اسئلة مثل:
- ماذا يحدث لو سقطنا في الماء؟
- ماذا يحدث لو اصطدم القارب بالحائط؟
- ماذا يحدث لو اصطدم القارب بقارب آخر؟
- هل الماء نظيف؟
- ما الذي يطوف على الماء؟ (عامة يكون كيس نايلون)
- لماذا لون الحائط مختلف؟
- لماذا تنعكس الصور في الماء؟

احتجت للكثير من الماء بعد تلك الدقائق العشر.... دقائق مليئة بنور من عيني وليد وحب مشع من قلبه الصغير، يخاف على ماما ويسأل ان كانت يدها تؤلمها ليستلم دفة القيادة من جديد!
كان قد بدأ في المجمع منذ ايام مهرجان الفقاعات والبالونات! اثارنا الفضول، وما هي الا دقائق حتى ملأ الصابون شعر وليد وثيابه وملأت ضحكاته الاجواء لتخفف من وطء الرطوبة الثقيلة! كنت اراقبه بفرح شديد واصور حركاته وسكناته واتمنى لو كان عبودي الصغير معنا! كان نائما حين قررنا الخروج.
نفخ وليد فقاعات صابون من كل الاحجام وقفز وهلل وفرح.
واثناء جولتنا في دولاب "عين الامارات" تفرج على صوره وافلامه من هاتف ماما وقرأ تعليقات بابا من لندن، تناول بعض المكسرات سرا، لان الطعام والشراب ممنوعان في مقصورات العين! ضحك واختبأ ولعب دور العميل السري مع حبات الفستق، كنت ارقبه واقبله بعيني وقلبي وشفتي، لا يرفض حضني وقبلتي ابدا، حبيبي...
ورشة اشكال البالونات كانت المحطة التالية، شكل كلبا ومسدسا واصبح راعي العرض صديقه، مازحه وليد وفرح برفقته.
كان من المفترض ان تكون هذه المحطة الاخيرة. انها العاشرة ليلا! موعد النوم ولى منذ ساعتين! 
وليد كان جائعا وهو يحب المقبلات الاماراتية، فقصدنا مقهى فنيال في القصباء وطلب وليد الشاي الكرك واللقيمات والخبز والتمر والعسل وحدثني عن "ارنولد" ... شوارزينيغير ما غيره! واخذ الحديث منحا مختلفا:
- ماما شاهدت ارنولد على يوتيوب يعرض عضلاته في مسابقة كمال الاجسام!
- نعم ماما ارنولد كان بطل كمال اجسام قبل ان يصبح ممثلا!
- ماما اريد ان يكون لي عضلات مثل ارنولد! هل ال body building جيد؟ كيف تكبر العضلات؟ ماذا يأكلون؟ ماذا يشربون؟ هل يحملون الاثقال؟ (ويقولها وليد تقال مع تسكين التاء)
- حسنا حبيبي اسألني سؤالا واحدا في كل مرة! العضلات تكبر في التدريب المستمر وطبعا يأكل الرياضي الكثير من البروتينات ويشرب خلطات البروتين التي يشربها بابا احيانا ويحمل الاثقال!
- ما هي البروتينات التي يأكلها؟
- التونة واللحم والدجاج البيض والحليب مثلا!
- ماما هل الbody building  جيد ؟ ولماذا يبني الرجل عضلاته؟
- الرجل يبني عضلاته ليحسن شكله ويظهر قوته، لكن ماما ال mind building هو اهم من بناء العضلات؟
- ماذا يعني ذلك؟
- هل تنفعك العضلات اذا لا تعرف استخدامها؟ يجب ان تبني ذهنك وعقلك وتصبح ذكيا جدا ايضا حتى يحترمك الآخرون. بالعقل حبيبي يصبح كل شيء ممكنا. العقل اقوى عضلة.
اعطيته مثالا من فيلم grown ups وضحكنا كثيرا، لو شاهدتم الفيلم لعرفتم المشهد المقصود.
وطلبت اليه ان يحاول حركة صعبة جدا شبه مستحيلة، حاولنا سويا تحريك اصابع اليدين على صدرنا، يد تتحرك اصابعها صعودا ونزولا واليد الاخرى تتحرك اصابعها نقرا، على ان تتحرك اليدان سويا!
ان الامر تقريبا شبه مستحيل! لكن بالعقل والتركيز والتلاعب البسيط، انجزناه ولكم ان تكتشفوا السر بانفسكم!
اراد وليد عند وصوله الى البيت في العاشرة والنصف ان يشاهد فيلما في السرير، هذا امر مسموح عامة مع موعد السرير في السابعة! بعد ان استحم، خلد الى الفراش وغفا بعد عشر دقائق من بداية الفيلم، يحلم بالفقاعات والالوان والعضلات، ليخبرني عن احلام جديدة وتساؤلات اخرى في يوم جديد صباح الغد!

الأحد، 14 يوليو 2013

روح حرة!



روح حرة طليقة حبيسة هذا الجسد العاجز. لكن الروح ليست عاجزة... ابدا.
ارى بعيني وارى بقلبي من يحبني.
اسمع باذني واسمع بقلبي النغمات التي تفرحني.
لا اطمح للكثير، لا اطمح بكسر هذا العجز كليا، ربما ليس في حياتي هذه!
اطمح ان اشارك الاطفال الآخرين دراجاتهم بسرعة مماثلة لسرعتهم حتى يتسنى لي ان اختبر الهواء يداعب وجهي واطلق ضحكات كضحكاتهم.
اطمح ان اقف باللرولر (rollers) كما يفعل اخي، فيصفق الجميع لموهبتي في التوازن.
اطمح ان يلعب معي كل اطفال الجيران كما يلعبون مع اخوتي.
اطمح ان امتلك كل حذاء يعجبني عله يكون الحذاء السحري لفك عجزي فامشي.
امي تتمنى ان ارافقها الى صالون التجميل لكني لا احب صخبه، فتصطحب بنات عماتي. تتمنى ان تضع لي طلاء الاظافر والماكياج لكني لا اسمح لها. واتمنى في المقابل ان تحضنني كثيرا وتحدثني كثيرا وتقبلني كثيرا وتلعب معي وتخبرني القصص وتستمع لقصصي، لكنها دوما مشغولة عني باخوتي، اعرف انها تحبني. انا ايضا احبها. 
اتمنى ان يأخذني بابا في نزهة صغيرة في سيارته كما يصطحب اخواي، فنفتح السقف ونستمع الى الاغاني والهواء يداعب وجهي. لكن بابا ايضا مشغول، لكن اعرف انه يحبني كما احبه.
ماما وبابا يفقدان صبرهما احيانا ويغضبان مني، اعذرهما واصمت، فانا لا اقصد ان اوقع الطعام او الشراب او ان ابلل نفسي، واتعلق احيانا كثيرا بكرسي متحرك جديد او دراجة ما! اعرف انهما يحباني وانا احبهما ايضا.
اخي الصغير علمني احرف الابجدية الانكليزية ونحن نغنيها سويا ويلعب معي احيانا. احزن واصرخ حين يبكي ويصرخ. احب ثيابه ايضا وثياب وليد واحذيته اكثر. ربما العب الكرة يوما ما وانا ارتديها. هو يغضب حين ارتديها لانها تأخذ شكل قدمي المشوهة قليلا وانا ازحف بها على الارض وافسدها، لكنه يعود ويشفق علي ويعطيني ما اريد عله في المقابل ينال حذاء جديدا. احبه كثيرا وليد، يعطيني الدواء ولا ارفض حين يمسك الحقنة بيديه الصغيرتين ويلمس وجهي بحنان ويصفق لي ويضحك حين اتناول الدواء من يديه، انسى انه مر او لزج، افرح كثيرا بلحظة حميمة مع اخي.
احب جدتي زلفا كثيرا لانها ترى روحي، وجدتي ديبة لانها تصلي لاجلي كثيرا، وجدي عصام لانه يداعبني دون ملل، وجدتي وفاء لانها تصبر علي اكثر من نفسي، والاكثر خالتي هنادي لانها تعرف ما اريد قبل ان اشير او احاول ان انطق به.
انا جنا، عشر سنوات، شلل دماغي!

الجمعة، 21 يونيو 2013

من يوميات عبدلله في البيت!



كل ام تعتقد انها لن تجد طفلا مشاغبا اكثر من طفلها واحدى الامهات في اميركا وضعت كتابا كاملا عما تفتقت عنه مخيلة اطفالها! 
وعبدلله كباقي الاطفال المشاغبين لديه مخيلة خصبة تغني ايامنا بالضحك والتوتر في آن!
فبعد ان دخل غرفته وافرغ في دقائق كل محتوى صناديق الالعاب اضف اليها الوسائد والاغطية، نادى : "ماما تعي شوفي خربت البيت!" 
وبعد ان فعل ذلك عن سبق اصرار وتصميم اصبح اي امر آخر متوقعا ومقبولا.... احيانا!
فقد نادتني الخادمة يوما لان المغسلة مسدودة والمياه ستتدفق منها ولا تنساب فيها، وقالت سافتحها من اسفل لاتحرى السبب. ويا لهول ما خبأ فيها عبودي! قلم، وبكلة شعر ومطاطة صغيرة، وقطعة حلوى وقطع صابون وورقة... كان في السابق حين يعمد الى سد المغسلة عمدا، يركض ويخبرني، الآن بات يترك لعنصر المفاجأة الدور الرئيس!
عادي ان اكون جهزت القهوة ليشربها زوجي بهدوء، فيجد في فنجانه قطعة بازل.
عادي ان اتتني باقة ورد، ان ينثر عبودي ورق الورد في كل البيت.
ليس من العادي ان يضيع الريموت كونترول لنجده بعد شهر في مزهرية البامبو، في حالة من الغرق بات فيها يشبه المخلوقات المائية.
عادي ان اتناول ابريق الشاي من الخزانة لاجده مليئا بالعاب صغيرة بحثنا عنها مطولا قبل يوم او اثنين.
عادي ان يفرغ المملحة كاملة فوق طبقه، او ان يضع الارز في كوب العصير، لكن ليس من العادي ان يدخل الحمام ويفرغ عبوتين كاملتين من مزيل العرق، واحدة لي واخرى لوالده "حتى ما حدا يزعل". حملها وضغط على "زنادها" حتى فرغت تماما. كيف تحمل الرائحة لا اعلم علما اننا كدنا نهرب من البيت.
فاذا نسيت باب غرفتي مفتوحا حتما ساودع علب الماكياج والعطور والكريمات، لست مستعدة لخسارة ما خسرته يوما بين انامله المبتكرة، لذلك فان باب غرفتي مقفل دائما حتى اشعار ىخر.
الخطوط على الجدران تكون صفراء يوما وخضراء في ايام اخرى، او زهرية، لونه المفضل الذي يسميه "يا بنات" على اسم اغنية نانسي عجرم التي يعشقها. وبعد الكثير من الصراخ والتأنيب بخصوص الكتابة على الجدران، ضبطته يوما يخرج من الحمام مع خرقة مبلولة محاولا محو آثار اقلامه عن جدار الغرفة .. دون جدوى!
يفقدني صوابي احيانا لكنه حين يعتذر ويصر على solly bliiiz اي sorry please، لا استطيع الا ان احضنه واقبله بشدة واضحك واتحاور معه لاسمع عباراته اللذيذة:
زغال تعني غزال
تحلقا تعني تلحقا اي تلحق بها
assahala يعني مركز صحارى وهو مركز تسوق
نلوح تعني نروح وخلبتا تعني خربتا اي خربتها!
zelo هي zero باختصار كل حرف "راء" يقوله "لام"
سخّنا اي حركها وتقال لتحريك السكر في الشاي او اي امر مماثل.
زالود هو الجارور
وfolozday هو ال father's day وقد احتفل به في المدرسة مؤخرا!

الأربعاء، 19 يونيو 2013

بعد العودة من المدرسة!



يعود صغاري الاعزاء من المدرسة كل في وقت مختلف.

 يصل عبدلله الصغير اولا الساعة الثانية عشرة ظهرا. يقبلنا ونقبله قبل ان يدخل مباشرة الى المطبخ ويفرد على الطاولة ما تبقى من طعامه ليلتهمه كله، ربما نصف ساندويش او قطعة كايك، او تفاحة او بعض العنب، المهم ان شعر بالجوع بعد ذلك يطلب طعامه المفضل، بيض مقلي او ارز، ويحمل طبقه الى غرفته ويشاهد فيلما من اختياره. بعد ان شبع تماما، يخلع ما تبقى من ملابسه ويبدا بالركض والصراخ في البيت، عاريا تماما لبعض الوقت. قد يستاء لذلك من في البيت لكني ادافع عن عبودي الصغير فهو "يعبر عن نفسه" بذلك ويتفلت من القيود... هه هه هه ، كما خلقتني يا الله! ثم يجلس بهدوء بعد ان تعب من القفز والصراخ و يحمل الايباد او اللاب توب. لعب او مشاهدة افلام يوتيوب او yo tuob كما يقولها عبدلله. ونبدأ نحتال عليه لنعيد الباسه بعض الثياب، الداخلية على الاقل. ننجح في اغلب الاحيان لكن الامر يتطلب بعض الوقت!

تصل جنا الجميلة حوالي الساعة الثانية والنصف. وحين تدخل البيت على كرسيها المتحرك "الجديد"، وهي تحبه ولا تفارقه، نحتشد امامها للغناء:
 "اهلا وسهلا جيتينا بحسك ونّستينا
حسك بالبيت بيسلي، وشوفة جنا بتحيينا"
وهي تفرح وتصفق وتضحك.
ثم نقبلها كل بدوره، ماما وعبودي وتيتا وفاء والخادمة نورة. تدخل جنا الحمام لتغير ثيابها وتغسل وجهها ويديها. وتبدأ مرحلة الرفض!
لا و no لكل شيء واحيانا تضحك في سرها لانها تعلم اننا سنغضب ونحتار كيف نرضيها. 
لا تريد ارتداء ثيابها، لا تريد "ملابس حلوة" كما تسميها، ولا ملابس جديدة، بل تريد ملابس ليست لها. مرة لتيتا وفاء ومرة لماما جنان وغالبا لعبدلله الصغير او وليد. تفرغ الخزائن لتختار ما يعجبها، واحيانا تختاره في الصباح قبل الخروج الى المدرسة وتبقيه في حقيبتها لتلبسه حين تعود او تسأل عنه لحظة وصولها. وفي كل فترة يكون لجنا طعاما مفضلا، وعلى رأس القائمة الارز بانواعه والسلطات التي تحوي المعكرونة.
تشبع وتنام.

في تمام الرابعة او قبلها بدقائق يصل وليد البيت. يا هلا ومرحبا.
يدخل احيانا مبتسما ويرتمي في احضاني واقبل شعره مع رائحة اللعب والعرق الجميلة.
واحيانا يدخل متجهما ان كان قد تشاجر مع احد زملاء الباص. يدخل دون سلام او كلام، مباشرة الى غرفته، صافعا الابواب، وهذه اشارة لي حتى الحق به واساله ما به، على ان اصدق نسخته من القصة-الحادثة. وطبعا انا اعلم تماما من اسلوب الرواية والصوت وحشد الاحداث، اين كان هو مخطئا واين كان على صواب. فاكثر من الاسئلة حتى اصل الى الحقيقة كاملة. فاقبله واراضيه واقوي ثقته بنفسه، و... تبدأ المعركة.
ارجوه ان يغسل يديه جيدا قبل تناول الطعام، وان غير ملابسه ، ان يضع ملابس المدرسة المتسخة في وعاء الغسيل. لكنه طبعا يسارع الى تناول اي شيء يحبه عن سفرة الطعام بيد متسخة، ليسمع صراخي، يوميا منذ اشهر. واركض بعدها خلفه الملم ثيابا مبعثرة من المدخل الى الغرفة. فردة حذاء تطير وتستقر على الكنبة، اخرى في الممر، جارب قرب السرير، والآخر فوق الخزانة، بنطال على الارض وقميص تحت الطاولة. وابدا بالصراخ: "وليد! لم اطلب منك سوى غسل يديك ووضع الثياب في الغسيل" واصرخ ولييييد! وهو يبدا في اختيار ملابس اخرى، وهنا عرض آخر من الثياب المبعثرة! ومعدل تغيير ثيابه في الساعة الاولى من وصوله الى البيت من المدرسة، 3 مرات على الاقل. حاولت مرة ان افهم السبب وربما هو بسبب نوع اللعبة، فلكرة القدم مع جيرانه ثياب مختلفة عن لعب الايباد او الدراجة او السباحة طبعا. فتوقفت عن الاعتراض. المهم بعد ان يرتدي ثيابا ويساعدني على لملمة الفوضى التي احدثها في الدقائق الثلاث الاولى، يبدأ بدوره تعبيره عن نفسه بالصراخ والقفز فوق الكنبة الكبيرة في الصالة. احيانا يكون جائعا جدا لان وقت اللعب في المدرسة اهم من وقت الاكل، واحيانا يتناول طعامه في الباص في طريق العودة فلايكون جائعا الا للعب. اعطيه عادة ساعة للهو قبل الدراسة في الخامسة او الخامسة والنصف.
والطامة الكبرى لحظة الدرس. نادرا جدا ما يجلس الى طاولة الدرس دون اعتراض وبكاء وصراخ و"انبطاح في الارض" وكزّ اسنان وشد يدين ورجلين. كنت اغضب اثناء ثورته، لكني صرت انتظر انتهاءها لانه بات متأكدا انه لن يخرج للعب قبل انتهاء الدرس مهما كان حجم الاعتراض او شكله او اسلوبه.

يلعبون، يستحمون، يتناولون طعام العشاء، ينامون. وتنتهي دورة اليوم، وفي صباح الغد، دورة جديدة!

لا احب!




لا احب حين يحل ابنائي مشاكلهم بالصراخ!
لا احب حين يضربون بعضهم.
لا احب حين يبعثرون العابهم، واوراقهم، واوقلامهم، وثيابهم، واحذيتهم، فيصبح من المستحيل ان تدخل الغرفة!
لا احب حين يعاندون... بشدة!
لا احب حين يعصون طلباتي حتى لا اقول اوامري، مرارا وتكرارا!
لا احب حين يهملون ابسط قوانين النظافة!
لا احب حين يرفضون طعاما تعبت في اعداده.
لا احب حين يستعرضون العصيان في الاماكن العامة!
لا احب الاوقات العصيبة في الدراسة!
لا احب حين البي طلباتهم وانا غير مقتنعة بها دون ان ادري كيف لبيتها!
لا احب حين اسمع عنهم او اضطر ان القبهم ب " بلا مربى" " ما تربيتوا".... بل يسوؤني اني الملامة...
لكني احبهم، احبهم دون قيد او شرط، بقبلاتي الحارة واحضاني اليومية، وقصصي ونصائحي، احبهم لانهم نعمي مجتمعة!

لا احب حين اصرخ بهم بشكل هستيري!
لا احب حين اضرب احدهم لاي سبب كان انتقاما !
لا احب حين لا اقوى على اللعب معهم!
لا احب حين اخفق في موقف ما!
لا احب حين لا اقوى على وضعهم في السرير باكرا!
لا احب حين لا استطيع اقناعهم بوجهة بظري!
لكني احب كوني امهم، يعلموني الامومة كما اعلمهم الدخول في الحياة، كل يوم!

احب حين يشاركوني خبز قالب الحلوى!
احب حين يختارون ثيابهم بنفسهم!
احب حين يدعون الاصحاب ويقدمون لهم الطعام والشراب.
احب حين يفرحون بزيارة الاقارب.
احب حين يبكون على صدري، ويشكون المهم لي لانهم على ثقة بان لدي الحل.
احب حين نشاهد فيلما سويا ويمطرونني بالاسئلة!
احب حين نبحث في غوغل عن صور ومعلومات اثارت اهتمامهم.
احب حين نختار اغان ونرقص على ايقاعها سويا.
احب حين نخرج للسباحة او النزهة او الغداء كاسرة.
احب حين اخبرهم ان لا مستحيل في هذه الدنيا وان الارادة والمحبة اقوى سلاحين.
لا احب ان ابتعد عنهم حتى وان ناشدت الراحة والوحدة قليلا، حتى وان كنت مع نفسي فانا اناقشها عنهم واسألها عن الافضل لهم واخطط معها لمستقبلهم واحب معها ابتساماتهم واصواتهم وقفزاتهم.
احبهم!


الثلاثاء، 11 يونيو 2013

معركة اثبات السلطة!



لمعركة اثبات السلطة في البيت مراحل...

المرحلة الاولى: الطلب! Request
الطفل يتقرب من ماما بهدوء ويختار جملا منمقة يصدر عنها طلبه الخاص على امل ان توافق ماما من المرة الاولى. مثلا الذهاب سيرا على الاقدام الى الدكان المجاور لشراء الحلويات. (علما انه لدينا منها ما يفتح دكانا!)

المرحلة الثانية: ماما تدرس الطلب! Processing
وفي هذه المرحلة مفترق طرق:
الطريق الاول : ماما تحاول ان تقنع الطفل بان طلبه غير منطقي!
الطريق الثاني: ماما توافق وتعطيه المال وقد تذهب معه او ترسل معه الخادمة او تتصل بالدكان لاحضار الطلب!

المرحلة الثالثة -  المنبثقة عن الطريق الاول: محاولة اقناع ماما Persuasion 
الطفل يحاول بشتى الطرق اقناع ماما بطلبه:
الطريقة الاولى: الصراخ والشتم بان انت اسوأ ام في الدنيا ترفضين كل طلباتي لا تسمحين لي بشراء شيء، علما انها ربما المرة الاولى للرفض منذ زمن!
الطريقة الثانية: البكاء المصطنع مع الجهد لانزال دموع حقيقية ودعمها بحجج واهية مثل "اريد نوعا غير متوفر في البيت" ،"وعدت اصدقائي بان اطعمهم معي"، " لااحب الشوكولا التي في البيت"...
الطريقة الثالثة: دمج الطريقة الاولى والثانية لمدة تتعدى الدقائق العشرعلى امل ان تمل ماما وينفذ صبرها وتخضع للامر الواقع وتلبي الطلب!

المرحلة الثالثة المنبثقة عن الطريق الثاني:
الطفل يحضن ماما ويطبع قبلة على خدها ويقلدها وسام افضل ماما في الدنيا!

المرحلة الرابعة: ( ما بعد الاستعراض الباكي) And the Winner is 
الطفل يسيطر اذا ماما اذعنت "ما بعد الاستعراض"، وانتقلت في دقائق من اسوأ ام لافضل ام محققة رقما قياسيا مميزا!
ماما تسيطر ان اصرت على موقفها وتحملت" الاستعراض" الى ان يهدأ طفلها، ويقتنع بحلولها ورأيها!



الاثنين، 3 يونيو 2013

علمتني امي!



علمتني امي ان المهم ان من نحبهم سعداء وليس المهم ان يكونوا بجانبنا!
علمتني امي ان جبران على حق في قوله "اولادكم ليسوا لكم اولادكم ابناء الحياة والحياة لا تكون في منازل الامس!"
علمتني ان اعمل عملي كاملا ولو "بالسخرة"!
علمتني ان اكون مع الحق ولو على قطع عنقي وليس "انا وخيي ع ابن عمي وانا وابن عمي عالغريب"!
علمتني ان الباب الذي يأتيك منه الريح سده واستريح!
علمتني ان اتكلم بحساب حتى لا يزل لساني.
علمتني ان اعتذر حين اخطئ واكدت ان هذا يرفع من شاني ولا يقلل من قدري!
علمتني ان اسعى لما اريد دون الاتكال على احد، علمتني انه ما حك جلدك مثل ظفرك!
علمتني اني لن احمل معي من هذه الدنيا الا سمعتي وكفني.... 

الأحد، 19 مايو 2013

اطفال محرومون.




سألني وليد يوما ونحن في السوق، حين توقفنا امام منصة صغيرة لاحدى الجمعيات الخيرية:
- ماما صورة من على هذه البطاقة؟
- انه طفل صغير.
- هل نعرفه؟ هل نعرف اسمه؟
- لا حبيبي، لا نعرفه.
- لماذا هو حزين؟
- لانه فقير جدا ماما.
- ما معني فقير؟
- فقير يعني انه لا يملك بيتا او مالا او العابا او ثيابا.
- هل هناك اطفال لا يملكون العابا؟
- نعم يا حبيبي هناك الكثير منهن.
- لماذا لا يشتر لهم ابوهم العابا؟ الا يحبهم؟
- بلى يحبهم لكن هو ايضا لا يملك مالا ليشتري لهم العابا او ثيابا او حتى طعاما احيانا!
- اينامون دون طعام؟
- احيانا.
- نحن لدينا الكثير من الطعام، هل ممكن ان نعطيهم؟
- ربما لو كان بيتهم قريبا، لكن بما انهم يسكنون في مكان بعيد نحن سنعطي المال لهذه الجمعية وهي ستشتري لهم طعاما، ما رأيك؟
- حسنا (قالها بحماسة وفرح شديدين). ولكن اين ينامون؟
- في مخيم يجهزه لهم اناس طيبون!
- ما معنى مخيم؟
- انه مجموعة من الخيم الصغيرة التي تشبه البيوت الصغيرة.
- هل نستطيع ان نزورهم الآن؟
- اليوم لا ولكن ربما عندما تكبر تستطيع التطوع مع جمعية لمساعدة اطفال افريقيا!
- ما معنى تطوع؟
- اي ان تعمل لمساعدتم دون اجر، دون ان تاخذ مالا لقاء عملك.
- ما معنى افريقيا؟
- انها قارة تضم بلدانا كثيرة انها حيث يعيشون!

اعطيته المال واعطاه للمسؤول عن المنصة وقال له اشتر طعاما لهذا الطفل. ابتسم الرجل وشكرنا، وصار التبرع لهذه الجمعية من عادات التسوق عند وليد في كل مرة.

الخميس، 16 مايو 2013

عبودي بعد العملية!



المستشفى الذي اجرى فيه عبدلله جراحته الصغيرة، قريب من البيت. فخرجنا في الوقت المناسب ووصلنا في الوقت المحدد لكن لم يدخل بودي غرفة العمليات حتى العاشرة والنصف. اي اننا جلسنا في الغرفة ساعة ونصف. لعب الايباد ولعب بادوات المطبخ الجديدة، وحاولنا قدر الامكان تشتيت انتباهه عن الطعام لانه ممنوع قبل الجراحة. عبدلله طفل قوي.
في الوقت المحدد، لبس عبودي الثوب المخصص، ولبس بابا اسامة كذلك الثوب المعقم ليرافق بودي الى غرفة التجهيز للعملية. وقبل ان يستنشق البنج، سأل بابا :"شو بدكن تعملولي؟" حاول اسامة جاهدا اخفاء دموعه. ما هي الا ثوان حتى نام طفلي تماما واخذوه الى الجراحة (لوز ولحمية). وخرج زوجي يبكي من خوفه عليه ومن تأثير البنج على جسده الصغير "اصبح كالخرقة بين يدي"! هدأته وبدأ توتري. قالوا عشرين دقيقة الى نصف ساعة. لكنه تاخر قليلا. الطفل الذي اجرى العملية قبله، خرج يبكي ويصرخ بشكل كبير.خفت ومرت الدقائق العشر ما بعد النصف ساعة كالدهر. الى ان سمعت بكاء ابني فبدات بالبكاء بدوري، وزوجي الآن يهدئ روعي. بكى قليلا ثم اخرجوه الى الغرفة حيث ننتظره. صغيري نام بهدوء بعد الجراحة، وبعد اقل من ساعة افاق وشرب الماء وذاق البوظة ونام مجددا ساعتين او اكثر. ثم افاق وحمل حقيبته للذهاب الى البيت، رفض فتح الهدايا واللعب بها في المستشفى، بل في البيت، اصر! كان علينا ان ننتظر عودة الطبيب في الخامسة، ساعتين كاملتين من الانتظار! لكن والحمدلله نام مجددا في حضن ابيه. يحبه اكثر مني! اعتصر قلبي سعادة من كم الحب وتمنيت لو انا من يضمه في المه! لكن انا وبابا واحد في الحب.
عدنا الى البيت في الخامسة ونحن ننتظر ان يتعافى بودي تماما!
الحمدلله على السلامة.

الاثنين، 13 مايو 2013

لوز ولحمية!



بعد ساعات قليلة سيخضع طفلي عبدلله لعملية استئصال اللحمية واللوزتين. نسبة كبيرة جدا من الاطفال تخضع لهذا الاجراء الذي اصبح سهلا جدا. لكن القلق لم يساعدني على النوم قبل منتصف الليل، والخوف ملأ ليلي كوابيس، والتوتر اقعدني منذ الرابعة فجرا.
اطمئن نفسي بان عبدلله طفل قوي، يتأقلم بسرعة ولا يخاف مما لا يعرفه. وطمأنني الطبيب بان الاجراء سهل جدا ولا يتطلب اكثر من 20 دقيقة الى نصف ساعة على ابعد تقدير، وانه يخرج من المستشفى في اليوم نفسه ويتناول الطعام في اليوم نفسه كذلك.
اصلي في كل دقيقة ان يتم تخديره قبل ان يؤخذ الى غرفة العمليات، حتى لا يعيش لحظات رعب فراقنا علما انه لا يخاف مما لا يعلم لكن ماذا لو لم يكن الطبيب ومساعديه لطفاء معه، وتصرفوا بميكانيكية يمليها عليهم عملهم؟ فأنا ما زلت لليوم اذكر، وقد كنت في مثل سن عبدلله تقريبا، في الرابعة، اذكر كيف اخذني طبيب التخدير من امي وكم بكيت وكم خفت، وكيف ادخل الابرة في يدي، وبنيت في داخلي فوبيا من غرف العمليات لم اتخطاها حتى اليوم رغم خضوعي لعدد لا باس به من العمليات الجراحية.
جنا خضعت لهذه العملية من قبل، وقيل لي يومها ان طبيبها هو الافضل في مجاله في المستشفى، لكن اتضح العكس تماما، من كم اثار الجراحة على وجهها، جراحة كان من المفترض ان تكون بسيطة ودون آثار. يومها اخذوا جنا صاحية واخضعوها لاجراء ابرة المحلول وهي صاحية واخرجوني طوعا من الغرفة لكثرة صراخي. اذكر كذلك انها تعافت بسرعة في اليوم نفسه بعد ان مرت في مرحلة استفراغ البنج.
واذكر ان وليد ابن الثامنة والنصف اليوم، عانى كثيرا لسنوات طويلة من التهاب اللوزتين، لكن خوفي من اخضاعه للتجربة جعلني اؤجلها... لاجل غير مسمى! اعتقد انه على الام ان تقسي قلبها قليلا في مواقف معينة رأفة باطفالها، فالدلال المفرط لا فائدة منه!
عبدلله اليوم "اللحمية" لديه ضخمة وهي تخنقه ليلا! لذا وجبت الجراحة، وبما ان لوزه تلتهب كل اسبوعين مع حرارة مرتفعة تصل الى الاربعين درجة مدة 3 ايام او اكثر، وجبت الجراحة، وبما انه يكاد يختنق في الليل واركض به الى الطوارئ، اقتنعت باجراء العملية، وكذلك والده الذي يخاف عليه، بل عليهم اكثر مني بكثير...
بالسلامة عبودي.

الخميس، 4 أبريل 2013

حادث مؤلم!




9 فبراير 2013 تاريخ لن انساه ما حييت. كان يوم سبت، والسبت وليد يشارك في النشاطات الرياضية في المدرسة. يلعب كرة القدم والتيكواندو. اوصله الساعة 11 واعود به الساعة الواحدة. وفي كل اسبوع يعدني ان يستقل الباص الساعة الواحدة حتى لا انتظر ساعتين الى ان ينتهي. ولكن في كل مرة اوصله وارى الحزن في عينيه على مضض لحظة الوداع، يرق قلبي وانتظره واقرأ كتابا او اتصفح الانترنت من خلال هاتفي.
 في هذا التاريخ، كنت استعد لاجراء جراحة بسيطة في المستشفى وطلبت من والده ان يقله الى المدرسة على ان يعود بالباص. منذ عشرة ايام اتفقت مع وليد ان يعود بالباص ووعدته بهدية ان فعل وكان قد وافق. لكن اسامة اقترح الا يذهب وليد اليوم الى حصص الرياضة، لا باس ان غاب مرة على ان ينتظم في الاسبوع التالي. لكني اصريت على ان يذهب حتى يتكل على نفسه على الاقل من خلال العودة بالباص.
وبدأت باسداء المحاضرات عن الدلع الزائد والخوف غير المبرر على وليد، الذي اصبح طفلا اتكاليا بشكل شبه كامل.
انا اصر واسامة يرفض لكنه رضخ لي اخيرا لانه يحبني كثيرا و لا يرغب ان احزن قبل دخولي الجراحة.
وصل اسامة المدرسة مع وليد واتصل بي قائلا انه يفضل ان ينتظر وليد ويعيده الى البيت ثم يأتي الى المستشفى ليمكث معي.
وبدأت بالعناد ثانية والقاء محاضرات التدليع والاتكالية، ومسكت زوجي من يده التي تؤلمه: "ستتركني ادخل الجراحة دون ان اراك؟" علما ان شقيقتي لم تتركني لحظة.
خضع زوجي مجددا لعنادي واتى المشفى قبل دخولي غرفة العمليات.
صحيت من البنج بعد ساعات ثلاث، لاجد في الغرفة حماتي واختي وزوجي و... وليد يغطي نصف وجهه بيده، يقترب من السرير ويريني وجهه... المصاب ... برضوض شتى... من العين الى الذقن.  فقد تعرض الباص لحادث سير خطير وكان السائق مسؤولا عنه وابني اعطى رقم هاتفي للشرطة بعد ان رفض نقله الى المستشفى للعلاج وتقرير الحادث. تصرف كراشد دون بكاء، او خوف يذكر.
كل هذا الكلام عرفته بعد ذلك لاني بكيت ليومين كاملين من القهر ولمت نفسي مئة بالمئة على هذا الحادث. انا اصريت على ذهاب ابني في الباص دون ان ينبئني حدسي الصاحي جدا لاي سوء! كيف حدث ذلك؟ لم اصريت على ذهابه وعاندت زوجي الى هذا الحد؟ ارسلت ابني الى حادث نجا منه ولله الحمد، بنفسي، وباصرار! اية ام انا لا اشعر بالخطر وقدومه؟ وانا من تؤمن بحاستها كثيرا .. جدا؟
لم اجرؤ على النظر في عيني زوجي لايام وانا ارجو ان يسامحني لاكتشف انه لم يلمني اصلا لانه مؤمن بقضاء الله وقدره! لكنه طلب مني الا اعانده بعد ذلك في قرارات تتعلق بالاطفال، وهو في ذلك محق! وانا احمد الله  ان وليد بخير ينام في حضني ويصحو على قبلاتي، كل يوم.

السبت، 23 مارس 2013

جنا المحبة.



لن تنتعل جنا ابدا كعبا عاليا وتتبختر به امام صديقاتها...
ربما لن تقود جنا ابدا الدراجة كما تتمنى..
وربما لن ترقص ابدا على انغام اغنياتها المفضلة، بل تكتفي دوما بالاستماع والتفاعل.
جنا الجميلة تردد مع نجوى كرم بحبك ولع، ومع ملحم زين علواه ومع فارس كرم الاركيلة، ومع هيفا بابا فين وغيرها من اغنياتها المفضلة..
جنا رددت مؤخرا مع نانسي "يا بنات" وابكتني...
"يا بنات يا بنات يا بنات
اللي ما خلفش بنات
ما شبعش من الحنية
وما دقش الحلويات"
سمعتها جنا مرارا وتكرارا وانا اسمعها معها وابكي في كل مرة الى ان حفظتها وحفظها عبودي الصغير ايضا.
"الحنية" او الحنان هو دواء جنا. كل ما تطلبه هذه الطفلة العاجزة عن المشي والقادرة كثيرا على الحب، هو الاحضان والقبلات والغنج والاهتمام. 
دقيقة حنية من بابا تجعلها فرحة اليوم باكمله، قبلة يطبعها وليد على خدها تجعلها تذكر اسمه لساعات، لعبة يشاركها بها عبدالله تجعلها المفضلة لديها لاسابيع، ساعة تحضنها فيها ماما وتنام تجعل الابتسامة لا تفارق محياها الجميل الليل بطوله، اغنية تغنيها معها تيتا وفاء تزيد من تعلقها بها ومكالمة صغيرة من خالتو هنادي تجعلها تنتظر بصبر نهاية الاسبوع حتى تراها.
كم الحب المقدم لها من تيتا ام اسامة تجعلها تطلب زيارتها كلما ركبت السيارة.
وكم الاهتمام الذي تناله من عمو بلال يجعلها تنتظر زيارته بفارغ الصبر.
وكم الحب المقدم من جدو عصام وتيتا زلفا وخالتو غنوة، يخفف عناء سفر الطائرة للقائهم والارتماء في حضنهم.
ربما جنا لن تمشي يوما، او تنال شهادة ما، او تجاري بنات عماتها شهد وسارة وبتول وتلعب معهن بالباربي والحلي، ولن تتزحلق يوما على الجليد مع وليد او تركل الكرة مع عبودي، لكنها دون شك ستوزع الحب والحنان وتكبر عليهما لتذكرني كل يوم ان عجزها  رحمة وبراءتها محبة.
لا خيبات في حياتها، ولا احزان تذكر، تعيش في عالمها الخاص وتدخل اليه كل من احبها وبادلته الحب.
جنا تذكرني كل يوم انها ليست عاجزة كما اعتقد، بل العاجز هو الذي لا يقرأ عينيها وقلبها كلما منت عليه بحضنها.

الخميس، 14 مارس 2013

خبرة ام 2



من يومياتي  مع وليد وعبدالله ملاحظات للامهات ساخرة احيانا وجادة احيانا اخرى ولكنها في كل الاحيان صادقة:

- الامومة ليست عفوية وسهلة، ولا في اية مرحلة! ابدا!
- لا تحلمي بقمصان المدرسة بيضاء لاكثر من ساعة الصباح الاولى!
- لن تتوقفي عن التقاط العاب وحاجيات ماداموا صاحين!
- خصصي للخادمة دوام في غرفة الصبيان!
- توقعي ان يرسم او يكتب على ملابسه وجسمه... والجدران!
- توقعي ان تدهشي كل يوم من حركة جديدة او عبارة جديدة او ابتكار جديد في الشغب!
- توقعي ان يعارض كل شيء تقولينه في سن الثانية وحتى الثالثة قبل ان يتعلم الاصغاء اليك.
- توقعي ان يرغب باكل طعامه بيديه حتى وان كان بيضا مقليا، لكن ذلك لا يعني ان تخضعي لرغبته.
- امنعيهم من دخول المطبخ بمفردهم دون رقابة.
- ستعرفين بالممارسة الفرق بين بكاء الالم وبكاء التمثيل!
- لا تمنعيه من اللعب بالرمل على الشاطئ بداعي النظافة والصحة.
- اجعلي وقت الاستحمام متعة حتى ولو طال.
- اذا رمى ابنك حذاءه من شباك السيارة ارمي الفردة الثانية خلف الاولى!
- ستقومين باعمال لم تتخيليها من قبل، برفقة ابنائك.
- اذا ردد ابن السابعة "اكرهك" لانك لم تنفذي له طلبا ما، لا تحزني ولا تصدقيه، بل توقعي قبلة ما قبل النوم!
- احب ان اجد العابهم من وقت لآخر في كافة غرف المنزل، دليل وجودهم القوي في حياتي واحتلال كل شبر فيها!
- من الطبيعي ان تجدي كدمات على اجسامهم كل يوم.
- لن تستطيعي حماية ابنك الى الابد، علميه الاتكال على نفسه.
- سيتفننون في احراجك امام الآخرين ، اعتادي ذلك!
- لا تصفي ابنك بصفات سيئة لانه مرآتك وسينفذ الامر نفسه من اخوانه الصغار!
- لا تغضبي امامهم والا سيتعلمون ان الغضب والتعبير الهستيري عنه امر مقبول، واذا كنت مثلي، ابحثي عن مساعدة!
- استمعي لقصصهم مرارا وتكرارا بانتباه جدي.
- لا تظهري انزعاجا من اكتشافاتهم الصغيرة واسئلتهم الكثيرة.
- العبي مع اطفالم من وقت لآخر لتصنعي لهم ذكريات جميلة، كوني الشرطي او الحرامي، المدرس او الطالب او الطبيب او الاخ الاصغر، كوني جون سينا او جاك سبارو او بن تن، كوني الحصان... لا حدود للخيال.
- لا تكذبي عليهم ابدا، ان اردت اخفاء معلومة ما حوريها.
- سيحبون اللعب بثيابك وشالاتك وهاتفك، وكذلك داخل صندوق وبملاقط الغسيل..
- اسألي طفلك عن يومه، كل يوم!
- يجب ان تعلمي ان اطفالك ليسوا الافضل بنظر كل من حولك!
- ربما لن تجدي كل يوم او كل اسبوع حتى وقتا مخصصا لنفسك، لا تيأسي، سيأتي الوقت.
- طبيعي ان تناولت اي طعام في اي وقت ان يرغبوا بالتذوق، اعملي حسابهم.
- ربما كان اسلوب امك في التربية افضل من اسلوبك لكن اتبعي حدسك ولا تفقدي الثقة بامومتك.
- اسمحي له ان يلعب بالماء احيانا، املأي وعاء في وسط الغرفة وحيكي حوله قصص الحيوانات والاسماك وليسبحوا جميعا!
- رائحة الرضع والاطفال رائعة، استمتعي بها!

يوميات عبدالله... في البيت!



بعد حوالي اسبوع من التزام عبودي في الحضانة، صار ولدا مشاغبا بشكل مباغت، لا يصدق. صار فنانا، في التخريب والعند والتحدي والصراخ! وما زلت لليوم ابحث عن السبب.
اصبح من الطبيعي ان اجد ثيابا لي في خزانة جنا وثياب جنا في خزانة بابا وهكذا.
اصبح من العادي ان اجد العابا في الثلاجة وطعاما في صناديق الالعاب.
اختفت بعض المفاتيح والالعاب.
اصبح مكب النفايات المفضل لديه - واعذروني- كرسي الحمام!
يقوم بالشغب ويهرب ويصرخ : ما تضلبيني! بتحبيني؟
يقرر فجأة اذا كان دون رقابة ان يحمم العابه المحشوة في البانيو او ان يحشوها داخل الغسالة ويعبئ مسحوق الغسيل في مكانه الصحيح ويديرها!
عادي ان تدخل الحمام لتجد سائل الاستحمام قد غطى الارض،او ان تجد قارورات الشامبو والبلسم وغيرها مغطاة بالبودرة، وان تجد احذية وجوارب على سطح الخزانة وان تدوس على شتى انواع الفواكه!
يرغب فقط بالتخريب وعلى وجهه نظرات مرحة طفولية ذكية تنتظر ردة الفعل فتارة اضحك وطورا استشيط غضبا واحيانا... ابكي! نعم للاسف يبدو اني بحاجة الى تعلم السيطرة على غضبي اكثر.
في لحظات قليلة يرمي وسادات الصالون على الارض كلها، ويحضر ما تيسر من وسادات غرف النوم والاغطية الى الصالون ايضا وربما بعض الاحذية والملابس. يعلم ما يغضب وليد فيستفزه الى ان يعيل صبر وليد ويطارده في البيت، حينها يفرح عبودي ايما فرح.
قد يكون مارا من امام المكتبة في البيت ويقرر رمي بعض الكتب، عادي. وان تدخل غرفته لتجد صناديق الالعاب كلها فارغة ولا مكان لتدوس او تحاول ترتيبها.
فان قرر عبدالله نقل الشوكولا والسكاكر من طبق الضيافة الى المزهرية، لاباس ان لم يكسرها، فقد يمضي بعض الوقت منهمكا بذلك ما يسمح لي بترتيب ما خرب قبلها، ولكن ما فعله مؤخرا وجعلني ابكي كان فوق قدرتي على تصور جموح خياله.
كنت قد جهزت طعام العشاء لزوجي: يخنة البازلاء،الارز، السلطة، المكدوس، البطاطس المقلية وبعض اطباق الزيتون والخضار والمكدوس. دخل اسامة وغير ملابسه وحين قرر الجلوس الى المائدة صرخ: ما هذا! اتيت مسرعة ويا لهول ما رايت: افرغ عبودي محتوى طبق اليخنة فوق كل الاطباق الاخرى، فوق الزيتون والمكدوس والسلطة والخضار والارز وكان للطاولة نصيبها ايضا. وبما ان اليوم كان عصيبا معه فقدت اعصابي في تلك اللحظة. صراخ وبكاء وركضت خلفه لاني اريد ان اضربه، يجب ان افهم لم فعل ذلك او ساصاب بالسكتة! حاول زوجي تهدئتي ومنعي من الاقتراب من عبودي الذي بدأ يهرب من غرفة الى اخرى خوفا من صراخي. ضربه اسامة لاني اصريت وبجنون، لكنه ندم وحزن كثيرا عليه، فقد غفا وهو يقول: عملتلي واوا؟
حتى الآن الامور مجرد تخريب لا اذى فيه الى ان قرر وضع المقص في الماكروويف واداره، وحتما كادت كارثة ان تحل.
حينها تم فصل كافة الاجهزة من الكهرباء واقفال جميع الابواب الا باب غرفته خلال وجوده في البيت. والمصيبة الاكبر انه يوزع الاحضان والقبلات يمنة ويسرة ويقول "بحبك" متى شاء، وامام خفة دمه وذكاءه لا يسعك الا ان تضمه وتقول: انا كمان بحبك! وتدعي له الله ان يحميه.

الثلاثاء، 19 فبراير 2013

سوبر وليد!




وليد طفل يهوى التحدي. علمته مرة ان لا شيء مستحيل مع الارادة وشرحت الفكرة من خلال امثلة مرتبطة بقصصه المفضلة وافلامه  وبرقت عيناه حين فهمها. وشرحتها له من خلال شخصيته كذلك.
كان لا يزال في الرابعة من عمره تقريبا، حين هدده ابوه باستخدام الشطة على شفتيه ان تفوه بكلام بذيء (مجرد تهديد)، فقرر وليد تذوقها ليواجه الخوف منها. واذا به بعد تلك التجربة يأكل طعام "حرّيفا" حارّا مع الشطة ودون تردد ليواجه اباه يوما انه لا يخاف تهديده!
اذكر انه كان اصغر من ذلك حين كان يخاف من لعبة محشوة، كانت نمرا كبيرا جميلا صديق ويني الدبدوب، وضعتها على ظهر خزانه وليد، وكانت هدية من مستمعة وفية.
كانت امي تلاحظ ان وليد يخافها كثيرا خاصة وقت النوم وطالبتني بالتخلص منها. لكن خالتي جعلته يواجه هذا الرعب واعطته النمّور ليرعبه ويضربه وجعلت منه تدريجيا لعبته المفضلة وصديقه الذي يداعبه ويشاكسه ويقبله وينام الى جانبه، ولازال يحتفظ بها لليوم.
وليد يهوى التحدي ولا يستسلم بسهولة ابدا ولا يقتنع الا بالمنطق. سألني عن الكتابة باليد اليسرى ولم هي حرام؟ ضحكت كثيرا واستعلمت منه عمن قال انها حرام؟ فرد صديقي في المدرسة. اكدت له ان ذلك ليس عيبا ولا حرام وهذه معتقدات خاطئة لكن هناك من يستطيع الكتابة باليد اليمنى ومن يستطيع الكتابة باليد اليسرى حسب "كيف الله خلقنا" لان هذا التفسير اسهل عليه اليوم من عبارة "الجينات"! قال انا ارغب بالكتابة باليد اليسرى فهل هذا ممكنا؟ قلت ممكن مع التدريب لكنه صعب. واخبرته قصة عمي نجيب كيف انه تدرب على الكتابة باليد اليسرى حين كسر اليمنى في لعبة كرة السلة! واعجبت القصة وليد. تدرون ما فعل؟ تدرب على الكتابة باليد اليسرى حتى اتقن الرياضيات تقريبا! نعم وليد لا يعرف المستحيل.
قرر تسلق شجرة في حديقة  فندق، لم امنعه لكني حذرته وانا ادعو الله ان يحميه، من انها مرتفعة ومنزلقة وصعبة التسلق، لكنه ظل يحاول الى ان اتقن تسلقها والقفز منها عدة مرات!
حاول تسلق الجدار المطاطي في الملاهي، خاف وتردد قليلا لكنه لما شاهد من هم اصغر منه يصلون القمة ويطلقون الجرس، قرر اطلاقه وفعل!
شاهد يوما رفاقه في البرج السكني يركبون "الرولر"، الاحذية ذات العجلات، فطلب شراء زوج له وتدرب عليها ليتقن الركوب في يوم واحد ما سهل عليه لاحقا التزلج على الجليد ليتقنه ايضا!
لم يرفض وليد تذوق انواع الطعام الجديدة بل انه يحب الغريب منها ويهوى البروكلي والخضار والفواكه على انواعها.
وليد طفل كريم يشارك العابه مع جميع اصدقائه في الصف وفي السكن.
وليد طفل ذكي جدا يسأل الكثير من الاسئلة وانا استمتع بالإجابة عليها واحاول قدر الامكان شرح الصورة الحقيقية الاقرب الى عقله.
وليد طفل حنون جدا خاصة مع اخوته فهو يعطي شقيقته جنا دواءها ويقبلها ويبكي احيانا لأنها لا تمشي، ورغم شغب عبدالله الصغير معه فهو لا يسمح لي بضربه ويحزن ويغضب كثيرا ان فعلت!

لا يوفر مناسبة للتعبير عن حبه بالحضن والقبلات لأننا في بيتنا نعبر عن الحب ونفخر به!

السبت، 16 فبراير 2013

يوميات عبدالله في الحضانة!



ذهب عبدالله الصغير اخيرا الى الحضانة، الاقرب الى البيت. وكنت اشعر في داخلي انه سيحبها وسيحب التفاعل مع الاطفال الآخرين بسرعة لكن ذلك لم يحدث تماما.
في اليوم الاول كما قرأتم سابقا كان ما كان. في اليوم الثاني كنت قد اتفقت مع الباص على ان يقله الى الحضانة صباحا. في السابعة والنصف كان ابني نائما فحملته واعطيته للمشرفة واقفلت باب الباص وهربت قبل ان يصحو ويبكي فأغير رأيي واعيده لفراشه وحضني.
وكنت اتصل كل عشر دقائق للاطمئنان عليه وكان الرد ايجابيا دائما انه نادرا ما يبكي بل انه يلعب ويحاول ان يتواصل مع الآخرين.
في الواحدة والنصف ظهرا ذهبت لإحضاره الى البيت، لم يبك لحظة رآني بل اسرع الي يقول: "ماما انا جيت هون تاني" ، فاستبشرت خيرا... في السيارة وفي الطريق الى البيت صار يسأل عن الحضانة وما فيها ويخبر ماذا فعل طوال اليوم ففرحت جدا وقلت في نفسي "الحمدلله"!
في اليوم الثالث صحا عبودي وانا البسه ثيابه معترضا ورافضا الذهاب الى الحضانة. شغلته بالايباد واخذنا نلاعبه انا وخالتي والخادمة ونزلنا الى بهو البرج في انتظار الباص. هو يرجوني الا يذهب الى الحضانة وانا احتال بالكلام لاني لا احب ابدا ان اكذب على اطفالي. فان قلت له حسنا لن تذهب فهو لن يذهب حتما. كان بودي حذرا لانه لم يستطع ان "يأخذ مني لا حق ولا باطل" يشعر في داخله دون شك اني اخبئ له امرا ما. ولحظة وصول الباص حملته وركضت الى الخارج وسلمته الى المشرفة وهو يبكي ويصرخ ويتشبث بثيابي ... كاد ينفطر قلبي ووددت لو اضمه الآن ونعود الى البيت نلعب ونضحك... لكن ذلك كلفني مع وليد 3 سنوات من البكاء صباحا اثناء الذهاب الى المدرسة، لانه لم يصمد لاكثر من ساعة في الحضانة بعد ان دفعت التكاليف كاملة، وكنت اقف خلف الباب انتظر ان يتوقف بكاؤه ولم يكن يتوقف فاقرع الباب بشدة واعيده معي الى البيت.
بالعودة الى عبودي، اكدت لي مشرفة الباص انه لم يبك الا لبضع دقائق وانه امضى يوما جيدا حتى انه تناول طعامه بالكامل. اعدته الى البيت ظهرا وانا استجوبه لاكتشف انه ليس رافضا تماما الذهاب لكن شرطه ان ابقى معه والا اتركه واذهب الى البيت...
منيت النفس ان يتغير الوضع في الايام القادمة. لكن في اليوم الرابع مرض عبودي وغاب 10 ايام متتالية... وعدنا الى نقطة الصفر.

الثلاثاء، 5 فبراير 2013

عبدالله في الحضانة، اخيرا!



بعد الكثير من الكر والفر والتأجيل تم تسجيل عبدالله الصغير في حضانة قريبة من البيت حتى يعتاد النظام كمقدمة لدخوله الى المدرسة في سبتمبر المقبل. قررت ماما اخيرا التغاضي عن رقة قلبها الشديدة تجاه صغيرها لانه بدأ يصبح الآمر الناهي في البيت، وهذه نتيجة حتمية للدلال المفرط . اذكر اني حين سجلت وليد في الحضانة، وكان يسميها كودودي اي Garderie، لم يلتزم لاكثر من بضع ساعات طوال الشهر، كنت اوصله واقف خارجا وان استمر في البكاء استمر بنفسي بقرع الباب الى ان يفتحوا لي لاحمله واهرب به الى اقرب مركز العاب، لانسيه صعوبة ورعب لحظات الفراق عني التي عاشها منذ قليل... اذكر ذلك واضحك كثيرا واندم في الوقت نفسه لاني لم" اقو قلبي " مع وليد وافرطت في حمايته وها انذا ادفع الثمن اليوم.
في اول يوم لعبدالله في الحضانة اوصلته بنفسي. رأى الالعاب من الخارج فاندفع الى الداخل ينظر الي بريبة فهو يعلم منذ اسبوع ان ثمة تغيير سيحصل في حياته اليوم وسوف يذهب الى المدرسة مثل اخيه الكبير هو يريد التمثل به وفي الوقت نفسه لا يرغب بترك ماما والبيت والرسوم المتحركة والآيباد والنوم ساعة يشاء. كانت نظرته غريبة اراها لاول مرة كانه واثق ومتردد، راض وغير راض، حذر وفي الوقت نفسه يرغب باللعب كالآخرين، ينظر الي وكله رغبة ان ابقى معه. اعطيت تعليماتي للمشرفة وانسحبت بهدوء. لكن لم ينته الموضوع هنا بل عدت بعد اقل من ساعة لارى المسؤولة سعيدة به يلعب مع غيره من الاطفال سعدت جدا وقررت الا يراني وانسحبت مجددا. لكني لم اتوقف عن الاتصال بهم كل نصف ساعة لارى ان كان يبكي او هل هو في انسجام مع المكان والآخرين.
مر اليوم بساعاته الطويلة من الثامنة والنصف صباحا حتى الثانية عشرة ظهرا. من المفترض ان اقله الى البيت بنفسي الساعة الواحدة والنصف، لكني لم استطع الانتظار لاضمه واطمئنه. كانت الفراشات تتطاير في معدتي والتوتر الشديد يعتريني.
لحظة دخولي الى الحضانة بادرتني المشرفات والمساعدات بسعادة انه تأقلم نوعا ما ولم يبك كثيرا... يعني انه بكى ولو قليلا! لكنه لم يذق طعامه ابدا بل كان يطلبني طوال الوقت. لحظة رآني كاد يغمى عليه ولم يعرف كيف يترك الالعاب ويركض نحوي او من اية بوابة صغيرة يخرج. انا فتحت البوابة بسرعة وكنت احمل له هدية وحلويات لكنه شدني الى المخرج بسرعة قائلا لا اريد هيا الى البيت. حملته وقبلته وركبنا السيارة الى البيت. في السيارة سألني: 
- وين انا لوحت؟ (اي اين ذهبت انا؟)
- كنت في كيدز وورلد ماما. لعبت مع الاطفال؟
- ليس لوحتي وتلكتيني؟ ( اي لماذا ذهبت وتركتني حيدا؟)
- ماما انا ذهبت لاحضر لك الآيباد وساعة جديدة وبيضة كيندر
- ياااي ( وهذه صرخة الفرح لبودي) لكنه قالها بهدوء وذهنه في مكان آخر واكمل قائلا: "انتي لوحتي وتلكتيني وهني اخدونيييي وضلبونيييي وعذبونيييي في بناية تانييي"!
نعم خياله واسع جدا. صرت اضحك وبدأت اسأله عن الايجابيات في يومه لكنه لم يذكر منها شيئا. لم يذكر الا فراقنا الصعب.
اذكر عندما ذهبت الى المدرسة في اليوم الاول وكنت في KG2، كيف انني كنت خجلة من البكاء حتى لا تصرخ علي امي وهي تحاول ان تريني كل ما هو جميل من العاب والوان في الصف، وانا لا اذكر اليوم غير وجوههم هي وخالي وعمتي كيف ودعونا انا وابنائهم و"تلكونا لحالنااا"، والخوف الذي اعتصر قلبي يومها. اذكر ايضا لعبة واحدة من العاب الصف حتى اكون دقيقة. ظللت متعلقة بمعلمتي العام باكمله، ابكي ان غابت بكاء مرا وان تركت الصف لاي سبب وان دخل عليها احد ووقفت لتكلمه، ابكي نعم مخافة ان تتركني هي ايضا.
لكن لحظة الفراق المرعبة التي انطبعت في ذاكرتي ولا تزال بمشاعرها حتى اليوم هي يوم اجريت جراحة لاتئصال اللوزتين واخذني طبيب البنج من امي وكان شكله مرعب، او ربما لم يكن. حدثني وضرب ظاهر يدي ليجد المكان المناسب الذي سيدخل فيه الابرة ربما صرخ فيّ بصوت مرتفع ايضا لاني بكيت، ولذلك افضل دائما ان يدخل اطفالي غرفة العمليات وهم نائمون تماما.
بالعودة الى عبدالله. عدنا الى البيت واكل كما لم يأكل من قبل. وتمسك بالايباد ناسيا حزنه. 
لحظة دخل اخوه من المدرسة ركض نحوه وصرخ: وليد وليد انا لوحت علمدرسة متلك!
اي ذهبت الى المدرسة مثلك. فرح وليد جدا وتمنى لو يغيب عن مدرسته يوما ليرافق عبودي الصغير الى حضانته وسأل بلهفة هل بكى؟ فقلت لا ليس كثيرا. فركض وليد الى عبودي وحمله وقبله فرحا.
ولحظة دخول بابا اسامة الى البيت ركض اليه عبدالله فرحا قائلا: انا لوحت عا سيكول وماما لاحت عالبيت زابتلي سوكولاته وانا ما كبيت! اي انه ذهب الى المدرسة وانا ذهبت الى البيت لاحضار الشوكولا وهو لم يبك!
لاحظت كيف انه اخبر كل شخص نسخة مختلفة من روايته حسب ميول المستمع. اي انه حاول تليين قلبي حتى لا يذهب مجددا الى الحضانة، واخبر وليد بما يجعله متشبها به واخبر والده بما يجعله فخورا به... ايه اذكى من مين!!!
اخبركم يوميات عبدالله في الحضانة لاحقا.