بعد الكثير من الكر والفر والتأجيل تم تسجيل عبدالله الصغير في حضانة قريبة من البيت حتى يعتاد النظام كمقدمة لدخوله الى المدرسة في سبتمبر المقبل. قررت ماما اخيرا التغاضي عن رقة قلبها الشديدة تجاه صغيرها لانه بدأ يصبح الآمر الناهي في البيت، وهذه نتيجة حتمية للدلال المفرط . اذكر اني حين سجلت وليد في الحضانة، وكان يسميها كودودي اي Garderie، لم يلتزم لاكثر من بضع ساعات طوال الشهر، كنت اوصله واقف خارجا وان استمر في البكاء استمر بنفسي بقرع الباب الى ان يفتحوا لي لاحمله واهرب به الى اقرب مركز العاب، لانسيه صعوبة ورعب لحظات الفراق عني التي عاشها منذ قليل... اذكر ذلك واضحك كثيرا واندم في الوقت نفسه لاني لم" اقو قلبي " مع وليد وافرطت في حمايته وها انذا ادفع الثمن اليوم.
في اول يوم لعبدالله في الحضانة اوصلته بنفسي. رأى الالعاب من الخارج فاندفع الى الداخل ينظر الي بريبة فهو يعلم منذ اسبوع ان ثمة تغيير سيحصل في حياته اليوم وسوف يذهب الى المدرسة مثل اخيه الكبير هو يريد التمثل به وفي الوقت نفسه لا يرغب بترك ماما والبيت والرسوم المتحركة والآيباد والنوم ساعة يشاء. كانت نظرته غريبة اراها لاول مرة كانه واثق ومتردد، راض وغير راض، حذر وفي الوقت نفسه يرغب باللعب كالآخرين، ينظر الي وكله رغبة ان ابقى معه. اعطيت تعليماتي للمشرفة وانسحبت بهدوء. لكن لم ينته الموضوع هنا بل عدت بعد اقل من ساعة لارى المسؤولة سعيدة به يلعب مع غيره من الاطفال سعدت جدا وقررت الا يراني وانسحبت مجددا. لكني لم اتوقف عن الاتصال بهم كل نصف ساعة لارى ان كان يبكي او هل هو في انسجام مع المكان والآخرين.
مر اليوم بساعاته الطويلة من الثامنة والنصف صباحا حتى الثانية عشرة ظهرا. من المفترض ان اقله الى البيت بنفسي الساعة الواحدة والنصف، لكني لم استطع الانتظار لاضمه واطمئنه. كانت الفراشات تتطاير في معدتي والتوتر الشديد يعتريني.
لحظة دخولي الى الحضانة بادرتني المشرفات والمساعدات بسعادة انه تأقلم نوعا ما ولم يبك كثيرا... يعني انه بكى ولو قليلا! لكنه لم يذق طعامه ابدا بل كان يطلبني طوال الوقت. لحظة رآني كاد يغمى عليه ولم يعرف كيف يترك الالعاب ويركض نحوي او من اية بوابة صغيرة يخرج. انا فتحت البوابة بسرعة وكنت احمل له هدية وحلويات لكنه شدني الى المخرج بسرعة قائلا لا اريد هيا الى البيت. حملته وقبلته وركبنا السيارة الى البيت. في السيارة سألني:
- وين انا لوحت؟ (اي اين ذهبت انا؟)
- كنت في كيدز وورلد ماما. لعبت مع الاطفال؟
- ليس لوحتي وتلكتيني؟ ( اي لماذا ذهبت وتركتني حيدا؟)
- ماما انا ذهبت لاحضر لك الآيباد وساعة جديدة وبيضة كيندر
- ياااي ( وهذه صرخة الفرح لبودي) لكنه قالها بهدوء وذهنه في مكان آخر واكمل قائلا: "انتي لوحتي وتلكتيني وهني اخدونيييي وضلبونيييي وعذبونيييي في بناية تانييي"!
نعم خياله واسع جدا. صرت اضحك وبدأت اسأله عن الايجابيات في يومه لكنه لم يذكر منها شيئا. لم يذكر الا فراقنا الصعب.
اذكر عندما ذهبت الى المدرسة في اليوم الاول وكنت في KG2، كيف انني كنت خجلة من البكاء حتى لا تصرخ علي امي وهي تحاول ان تريني كل ما هو جميل من العاب والوان في الصف، وانا لا اذكر اليوم غير وجوههم هي وخالي وعمتي كيف ودعونا انا وابنائهم و"تلكونا لحالنااا"، والخوف الذي اعتصر قلبي يومها. اذكر ايضا لعبة واحدة من العاب الصف حتى اكون دقيقة. ظللت متعلقة بمعلمتي العام باكمله، ابكي ان غابت بكاء مرا وان تركت الصف لاي سبب وان دخل عليها احد ووقفت لتكلمه، ابكي نعم مخافة ان تتركني هي ايضا.
لكن لحظة الفراق المرعبة التي انطبعت في ذاكرتي ولا تزال بمشاعرها حتى اليوم هي يوم اجريت جراحة لاتئصال اللوزتين واخذني طبيب البنج من امي وكان شكله مرعب، او ربما لم يكن. حدثني وضرب ظاهر يدي ليجد المكان المناسب الذي سيدخل فيه الابرة ربما صرخ فيّ بصوت مرتفع ايضا لاني بكيت، ولذلك افضل دائما ان يدخل اطفالي غرفة العمليات وهم نائمون تماما.
بالعودة الى عبدالله. عدنا الى البيت واكل كما لم يأكل من قبل. وتمسك بالايباد ناسيا حزنه.
لحظة دخل اخوه من المدرسة ركض نحوه وصرخ: وليد وليد انا لوحت علمدرسة متلك!
اي ذهبت الى المدرسة مثلك. فرح وليد جدا وتمنى لو يغيب عن مدرسته يوما ليرافق عبودي الصغير الى حضانته وسأل بلهفة هل بكى؟ فقلت لا ليس كثيرا. فركض وليد الى عبودي وحمله وقبله فرحا.
ولحظة دخول بابا اسامة الى البيت ركض اليه عبدالله فرحا قائلا: انا لوحت عا سيكول وماما لاحت عالبيت زابتلي سوكولاته وانا ما كبيت! اي انه ذهب الى المدرسة وانا ذهبت الى البيت لاحضار الشوكولا وهو لم يبك!
لاحظت كيف انه اخبر كل شخص نسخة مختلفة من روايته حسب ميول المستمع. اي انه حاول تليين قلبي حتى لا يذهب مجددا الى الحضانة، واخبر وليد بما يجعله متشبها به واخبر والده بما يجعله فخورا به... ايه اذكى من مين!!!
اخبركم يوميات عبدالله في الحضانة لاحقا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق