يعود صغاري الاعزاء من المدرسة كل في وقت مختلف.
يصل عبدلله الصغير اولا الساعة الثانية عشرة ظهرا. يقبلنا ونقبله قبل ان يدخل مباشرة الى المطبخ ويفرد على الطاولة ما تبقى من طعامه ليلتهمه كله، ربما نصف ساندويش او قطعة كايك، او تفاحة او بعض العنب، المهم ان شعر بالجوع بعد ذلك يطلب طعامه المفضل، بيض مقلي او ارز، ويحمل طبقه الى غرفته ويشاهد فيلما من اختياره. بعد ان شبع تماما، يخلع ما تبقى من ملابسه ويبدا بالركض والصراخ في البيت، عاريا تماما لبعض الوقت. قد يستاء لذلك من في البيت لكني ادافع عن عبودي الصغير فهو "يعبر عن نفسه" بذلك ويتفلت من القيود... هه هه هه ، كما خلقتني يا الله! ثم يجلس بهدوء بعد ان تعب من القفز والصراخ و يحمل الايباد او اللاب توب. لعب او مشاهدة افلام يوتيوب او yo tuob كما يقولها عبدلله. ونبدأ نحتال عليه لنعيد الباسه بعض الثياب، الداخلية على الاقل. ننجح في اغلب الاحيان لكن الامر يتطلب بعض الوقت!
تصل جنا الجميلة حوالي الساعة الثانية والنصف. وحين تدخل البيت على كرسيها المتحرك "الجديد"، وهي تحبه ولا تفارقه، نحتشد امامها للغناء:
"اهلا وسهلا جيتينا بحسك ونّستينا
حسك بالبيت بيسلي، وشوفة جنا بتحيينا"
وهي تفرح وتصفق وتضحك.
ثم نقبلها كل بدوره، ماما وعبودي وتيتا وفاء والخادمة نورة. تدخل جنا الحمام لتغير ثيابها وتغسل وجهها ويديها. وتبدأ مرحلة الرفض!
لا و no لكل شيء واحيانا تضحك في سرها لانها تعلم اننا سنغضب ونحتار كيف نرضيها.
لا تريد ارتداء ثيابها، لا تريد "ملابس حلوة" كما تسميها، ولا ملابس جديدة، بل تريد ملابس ليست لها. مرة لتيتا وفاء ومرة لماما جنان وغالبا لعبدلله الصغير او وليد. تفرغ الخزائن لتختار ما يعجبها، واحيانا تختاره في الصباح قبل الخروج الى المدرسة وتبقيه في حقيبتها لتلبسه حين تعود او تسأل عنه لحظة وصولها. وفي كل فترة يكون لجنا طعاما مفضلا، وعلى رأس القائمة الارز بانواعه والسلطات التي تحوي المعكرونة.
تشبع وتنام.
في تمام الرابعة او قبلها بدقائق يصل وليد البيت. يا هلا ومرحبا.
يدخل احيانا مبتسما ويرتمي في احضاني واقبل شعره مع رائحة اللعب والعرق الجميلة.
واحيانا يدخل متجهما ان كان قد تشاجر مع احد زملاء الباص. يدخل دون سلام او كلام، مباشرة الى غرفته، صافعا الابواب، وهذه اشارة لي حتى الحق به واساله ما به، على ان اصدق نسخته من القصة-الحادثة. وطبعا انا اعلم تماما من اسلوب الرواية والصوت وحشد الاحداث، اين كان هو مخطئا واين كان على صواب. فاكثر من الاسئلة حتى اصل الى الحقيقة كاملة. فاقبله واراضيه واقوي ثقته بنفسه، و... تبدأ المعركة.
ارجوه ان يغسل يديه جيدا قبل تناول الطعام، وان غير ملابسه ، ان يضع ملابس المدرسة المتسخة في وعاء الغسيل. لكنه طبعا يسارع الى تناول اي شيء يحبه عن سفرة الطعام بيد متسخة، ليسمع صراخي، يوميا منذ اشهر. واركض بعدها خلفه الملم ثيابا مبعثرة من المدخل الى الغرفة. فردة حذاء تطير وتستقر على الكنبة، اخرى في الممر، جارب قرب السرير، والآخر فوق الخزانة، بنطال على الارض وقميص تحت الطاولة. وابدا بالصراخ: "وليد! لم اطلب منك سوى غسل يديك ووضع الثياب في الغسيل" واصرخ ولييييد! وهو يبدا في اختيار ملابس اخرى، وهنا عرض آخر من الثياب المبعثرة! ومعدل تغيير ثيابه في الساعة الاولى من وصوله الى البيت من المدرسة، 3 مرات على الاقل. حاولت مرة ان افهم السبب وربما هو بسبب نوع اللعبة، فلكرة القدم مع جيرانه ثياب مختلفة عن لعب الايباد او الدراجة او السباحة طبعا. فتوقفت عن الاعتراض. المهم بعد ان يرتدي ثيابا ويساعدني على لملمة الفوضى التي احدثها في الدقائق الثلاث الاولى، يبدأ بدوره تعبيره عن نفسه بالصراخ والقفز فوق الكنبة الكبيرة في الصالة. احيانا يكون جائعا جدا لان وقت اللعب في المدرسة اهم من وقت الاكل، واحيانا يتناول طعامه في الباص في طريق العودة فلايكون جائعا الا للعب. اعطيه عادة ساعة للهو قبل الدراسة في الخامسة او الخامسة والنصف.
والطامة الكبرى لحظة الدرس. نادرا جدا ما يجلس الى طاولة الدرس دون اعتراض وبكاء وصراخ و"انبطاح في الارض" وكزّ اسنان وشد يدين ورجلين. كنت اغضب اثناء ثورته، لكني صرت انتظر انتهاءها لانه بات متأكدا انه لن يخرج للعب قبل انتهاء الدرس مهما كان حجم الاعتراض او شكله او اسلوبه.
يلعبون، يستحمون، يتناولون طعام العشاء، ينامون. وتنتهي دورة اليوم، وفي صباح الغد، دورة جديدة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق