لن تنتعل جنا ابدا كعبا عاليا وتتبختر به امام صديقاتها...
ربما لن تقود جنا ابدا الدراجة كما تتمنى..
وربما لن ترقص ابدا على انغام اغنياتها المفضلة، بل تكتفي دوما بالاستماع والتفاعل.
جنا الجميلة تردد مع نجوى كرم بحبك ولع، ومع ملحم زين علواه ومع فارس كرم الاركيلة، ومع هيفا بابا فين وغيرها من اغنياتها المفضلة..
جنا رددت مؤخرا مع نانسي "يا بنات" وابكتني...
"يا بنات يا بنات يا بنات
اللي ما خلفش بنات
ما شبعش من الحنية
وما دقش الحلويات"
سمعتها جنا مرارا وتكرارا وانا اسمعها معها وابكي في كل مرة الى ان حفظتها وحفظها عبودي الصغير ايضا.
"الحنية" او الحنان هو دواء جنا. كل ما تطلبه هذه الطفلة العاجزة عن المشي والقادرة كثيرا على الحب، هو الاحضان والقبلات والغنج والاهتمام.
دقيقة حنية من بابا تجعلها فرحة اليوم باكمله، قبلة يطبعها وليد على خدها تجعلها تذكر اسمه لساعات، لعبة يشاركها بها عبدالله تجعلها المفضلة لديها لاسابيع، ساعة تحضنها فيها ماما وتنام تجعل الابتسامة لا تفارق محياها الجميل الليل بطوله، اغنية تغنيها معها تيتا وفاء تزيد من تعلقها بها ومكالمة صغيرة من خالتو هنادي تجعلها تنتظر بصبر نهاية الاسبوع حتى تراها.
كم الحب المقدم لها من تيتا ام اسامة تجعلها تطلب زيارتها كلما ركبت السيارة.
وكم الاهتمام الذي تناله من عمو بلال يجعلها تنتظر زيارته بفارغ الصبر.
وكم الحب المقدم من جدو عصام وتيتا زلفا وخالتو غنوة، يخفف عناء سفر الطائرة للقائهم والارتماء في حضنهم.
ربما جنا لن تمشي يوما، او تنال شهادة ما، او تجاري بنات عماتها شهد وسارة وبتول وتلعب معهن بالباربي والحلي، ولن تتزحلق يوما على الجليد مع وليد او تركل الكرة مع عبودي، لكنها دون شك ستوزع الحب والحنان وتكبر عليهما لتذكرني كل يوم ان عجزها رحمة وبراءتها محبة.
لا خيبات في حياتها، ولا احزان تذكر، تعيش في عالمها الخاص وتدخل اليه كل من احبها وبادلته الحب.
جنا تذكرني كل يوم انها ليست عاجزة كما اعتقد، بل العاجز هو الذي لا يقرأ عينيها وقلبها كلما منت عليه بحضنها.
من يومياتي مع وليد وعبدالله ملاحظات للامهات ساخرة احيانا وجادة احيانا اخرى ولكنها في كل الاحيان صادقة:
- الامومة ليست عفوية وسهلة، ولا في اية مرحلة! ابدا!
- لا تحلمي بقمصان المدرسة بيضاء لاكثر من ساعة الصباح الاولى!
- لن تتوقفي عن التقاط العاب وحاجيات ماداموا صاحين!
- خصصي للخادمة دوام في غرفة الصبيان!
- توقعي ان يرسم او يكتب على ملابسه وجسمه... والجدران!
- توقعي ان تدهشي كل يوم من حركة جديدة او عبارة جديدة او ابتكار جديد في الشغب!
- توقعي ان يعارض كل شيء تقولينه في سن الثانية وحتى الثالثة قبل ان يتعلم الاصغاء اليك.
- توقعي ان يرغب باكل طعامه بيديه حتى وان كان بيضا مقليا، لكن ذلك لا يعني ان تخضعي لرغبته.
- امنعيهم من دخول المطبخ بمفردهم دون رقابة.
- ستعرفين بالممارسة الفرق بين بكاء الالم وبكاء التمثيل!
- لا تمنعيه من اللعب بالرمل على الشاطئ بداعي النظافة والصحة.
- اجعلي وقت الاستحمام متعة حتى ولو طال.
- اذا رمى ابنك حذاءه من شباك السيارة ارمي الفردة الثانية خلف الاولى!
- ستقومين باعمال لم تتخيليها من قبل، برفقة ابنائك.
- اذا ردد ابن السابعة "اكرهك" لانك لم تنفذي له طلبا ما، لا تحزني ولا تصدقيه، بل توقعي قبلة ما قبل النوم!
- احب ان اجد العابهم من وقت لآخر في كافة غرف المنزل، دليل وجودهم القوي في حياتي واحتلال كل شبر فيها!
- من الطبيعي ان تجدي كدمات على اجسامهم كل يوم.
- لن تستطيعي حماية ابنك الى الابد، علميه الاتكال على نفسه.
- سيتفننون في احراجك امام الآخرين ، اعتادي ذلك!
- لا تصفي ابنك بصفات سيئة لانه مرآتك وسينفذ الامر نفسه من اخوانه الصغار!
- لا تغضبي امامهم والا سيتعلمون ان الغضب والتعبير الهستيري عنه امر مقبول، واذا كنت مثلي، ابحثي عن مساعدة!
- استمعي لقصصهم مرارا وتكرارا بانتباه جدي.
- لا تظهري انزعاجا من اكتشافاتهم الصغيرة واسئلتهم الكثيرة.
- العبي مع اطفالم من وقت لآخر لتصنعي لهم ذكريات جميلة، كوني الشرطي او الحرامي، المدرس او الطالب او الطبيب او الاخ الاصغر، كوني جون سينا او جاك سبارو او بن تن، كوني الحصان... لا حدود للخيال.
- لا تكذبي عليهم ابدا، ان اردت اخفاء معلومة ما حوريها.
- سيحبون اللعب بثيابك وشالاتك وهاتفك، وكذلك داخل صندوق وبملاقط الغسيل..
- اسألي طفلك عن يومه، كل يوم!
- يجب ان تعلمي ان اطفالك ليسوا الافضل بنظر كل من حولك!
- ربما لن تجدي كل يوم او كل اسبوع حتى وقتا مخصصا لنفسك، لا تيأسي، سيأتي الوقت.
- طبيعي ان تناولت اي طعام في اي وقت ان يرغبوا بالتذوق، اعملي حسابهم.
- ربما كان اسلوب امك في التربية افضل من اسلوبك لكن اتبعي حدسك ولا تفقدي الثقة بامومتك.
- اسمحي له ان يلعب بالماء احيانا، املأي وعاء في وسط الغرفة وحيكي حوله قصص الحيوانات والاسماك وليسبحوا جميعا!
- رائحة الرضع والاطفال رائعة، استمتعي بها!
بعد حوالي اسبوع من التزام عبودي في الحضانة، صار ولدا مشاغبا بشكل مباغت، لا يصدق. صار فنانا، في التخريب والعند والتحدي والصراخ! وما زلت لليوم ابحث عن السبب.
اصبح من الطبيعي ان اجد ثيابا لي في خزانة جنا وثياب جنا في خزانة بابا وهكذا.
اصبح من العادي ان اجد العابا في الثلاجة وطعاما في صناديق الالعاب.
اختفت بعض المفاتيح والالعاب.
اصبح مكب النفايات المفضل لديه - واعذروني- كرسي الحمام!
يقوم بالشغب ويهرب ويصرخ : ما تضلبيني! بتحبيني؟
يقرر فجأة اذا كان دون رقابة ان يحمم العابه المحشوة في البانيو او ان يحشوها داخل الغسالة ويعبئ مسحوق الغسيل في مكانه الصحيح ويديرها!
عادي ان تدخل الحمام لتجد سائل الاستحمام قد غطى الارض،او ان تجد قارورات الشامبو والبلسم وغيرها مغطاة بالبودرة، وان تجد احذية وجوارب على سطح الخزانة وان تدوس على شتى انواع الفواكه!
يرغب فقط بالتخريب وعلى وجهه نظرات مرحة طفولية ذكية تنتظر ردة الفعل فتارة اضحك وطورا استشيط غضبا واحيانا... ابكي! نعم للاسف يبدو اني بحاجة الى تعلم السيطرة على غضبي اكثر.
في لحظات قليلة يرمي وسادات الصالون على الارض كلها، ويحضر ما تيسر من وسادات غرف النوم والاغطية الى الصالون ايضا وربما بعض الاحذية والملابس. يعلم ما يغضب وليد فيستفزه الى ان يعيل صبر وليد ويطارده في البيت، حينها يفرح عبودي ايما فرح.
قد يكون مارا من امام المكتبة في البيت ويقرر رمي بعض الكتب، عادي. وان تدخل غرفته لتجد صناديق الالعاب كلها فارغة ولا مكان لتدوس او تحاول ترتيبها.
فان قرر عبدالله نقل الشوكولا والسكاكر من طبق الضيافة الى المزهرية، لاباس ان لم يكسرها، فقد يمضي بعض الوقت منهمكا بذلك ما يسمح لي بترتيب ما خرب قبلها، ولكن ما فعله مؤخرا وجعلني ابكي كان فوق قدرتي على تصور جموح خياله.
كنت قد جهزت طعام العشاء لزوجي: يخنة البازلاء،الارز، السلطة، المكدوس، البطاطس المقلية وبعض اطباق الزيتون والخضار والمكدوس. دخل اسامة وغير ملابسه وحين قرر الجلوس الى المائدة صرخ: ما هذا! اتيت مسرعة ويا لهول ما رايت: افرغ عبودي محتوى طبق اليخنة فوق كل الاطباق الاخرى، فوق الزيتون والمكدوس والسلطة والخضار والارز وكان للطاولة نصيبها ايضا. وبما ان اليوم كان عصيبا معه فقدت اعصابي في تلك اللحظة. صراخ وبكاء وركضت خلفه لاني اريد ان اضربه، يجب ان افهم لم فعل ذلك او ساصاب بالسكتة! حاول زوجي تهدئتي ومنعي من الاقتراب من عبودي الذي بدأ يهرب من غرفة الى اخرى خوفا من صراخي. ضربه اسامة لاني اصريت وبجنون، لكنه ندم وحزن كثيرا عليه، فقد غفا وهو يقول: عملتلي واوا؟
حتى الآن الامور مجرد تخريب لا اذى فيه الى ان قرر وضع المقص في الماكروويف واداره، وحتما كادت كارثة ان تحل.
حينها تم فصل كافة الاجهزة من الكهرباء واقفال جميع الابواب الا باب غرفته خلال وجوده في البيت. والمصيبة الاكبر انه يوزع الاحضان والقبلات يمنة ويسرة ويقول "بحبك" متى شاء، وامام خفة دمه وذكاءه لا يسعك الا ان تضمه وتقول: انا كمان بحبك! وتدعي له الله ان يحميه.