
يبدو ان اسلوب الترغيب ينجح اكثر في التربية من اسلوب "الترهيب المكثف". تعزيز الافعال الايجابية والنجاحات للابناء تجعلهم يتمسكون بها ويتمسكون بالتالي بحقوقهم الترغيبية.
وليد ابني يجتهد في المدرسة في كل عام دراسي ويتطور بشكل كبير من بداية العام وحتى آخره وتتقدم علاماته كذلك وهو في الصف الاول الآن وانا استمتع برؤية 100 على 100 على ورقة تقييمه في نهاية كل شهر في بعض المواد التي يهواها ما يرفع معدله العام كذلك.
مرت عليه نكسة بسيطة في الرياضيات في منتصف العام وكان المقرر الدراسي صعبا للغاية في مدرسة الشويفات ولايناسب سنه او صفه لكن المدرسة شهيرة بمستواها الدراسي العالي وعلى وليد ان يندمج بسرعة. علامة منخفضة جدا في الرياضيات اصابتني بهستيريا نفسية لانها سببت انخفاض معدله الشهري العام، والادارة المدرسية حذرتني من تكرار ذلك لانه قد يعني سقوطه... في الصف الاول!
لم تلب المدرسة رغبتي في اعطائه دروس تقوية في هذه المادة التعجيزية، فاتخذت دور المدرّسة الخصوصية و"ركّيت" عليه كما نقول باللبناني اي كثفت الدرس، وكل يوم دروس جديدة وتحفيزات وهدايا والمعلمة ساعدتني بنقله الى المقعد الامامي في الصف. وارتفعت علامات وليد وارتفع معدله بشدة، انا والمدرسة نشكر احدانا الاخرى، ووعدت وليد بمجموعة هدايا من اختياره وكان في سعادة لا توصف.
ولاني في كل مرة آخذه الى محل الاطفال اسمح له باختيار هدية واحدة، كان يسألني مع كل خطوة نحو الصندوق ستسمحين لي بشراء ثلاث العاب؟ وانا اكرر ستشتري ما تريد كما وعدتك. وهو لم يختر الا 3 العاب.
في الشهر التالي ارتفع معدله اكثر، ولاني مشغولة بنقل سكننا، اجلت موضوع مكافأته قليلا. الى ان ذهبت اليه في احد الايام لجلب طعام الغذاء الى الصف في منتصف اليوم، ورأيت انه نسي البلبل وهي اللعبة المفضلة الآن للاولاد في سنه في المدرسة، نسيه في البيت، فقلت احضر لك الآن بلبلا جديدا ما رأيك؟ فسأل وهل تستطيعين ان تحضريه الآن قبل ان يدق الجرس؟ لانه يخاف ان يتأخر في دخول الصف. فسألته وهل تريد ان تذهب معي؟ تحمس كثيرا، وخلال الدقائق الخمس بين المدرسة ومحل الاطفال سألني عشرين مرة: هل دق الجرس؟ كم من الوقت بقي لدي؟
وصلنا الى محل الاطفال لنفاجأ بان لا بلابل و لا من يبلبلون. مقطوعة من السوق هكذا فجأة! حزن وبكى... فوعدته ان نذهب مباشرة بعد المدرسة الى فرع آخر للبحث وعرضت عليه بمناسبة علاماته المرتفعة ان يختار لعبة ثانية، وبسرعة لانه عادة يطيل في الاختيار ، قبل ان يدق الجرس (الكلمة السحرية ليسرع) فاختار طائرة ظنا منه انها معدنية. اسرعنا الى السيارة لندرك وقت اللعب قبل العودة الى الصف. فتح العلبة في السيارة فاذا بها طائرة بلاستيكية وتحتاج بطاريات ومفك لوضع البطاريات وتعلق من خلال حبل خاص بسقف الغرفة وتحلق في دوائر متوازية. فكرتها ممتازة وجميلة وجديدة ولكن ليس في الظروف الحالية، و ليس لتكون لعبة تحد في المدرسة. حزن مجددا لخيبة امل اخرى. كنا قد وجدنا بلبلا واحدا فقط في المحل لكنه لا يحب لونه بل يفضل الاخضر والاحمر فرفض شرائه، علما انه القطعة الوحيدة، و"يمشي الحال" في فسحة اليوم في المدرسة الا انه رفض وبشدة، ربما يسخر اصدقاؤه من اللون او ربما لا يعتبر قويا او لا يدور كفاية... لا اعرف قانون البلابل في المدارس، الا انه اصر على الرفض وذكرني بوعدي له!
بعد نهاية اليوم الدراسي، كلمت بابا اسامة، حبيب وليد وصديقه المقرب، واخبرته بما حصل وانني سأمر الى الفرع الثاني للبحث عن بلبل. فطلب مني القيام بعمل آخر وقال ان البلابل الآن تباع في مكان واحد فقط وسيحضر واحد جديد لوليد او انه سيأخذه بنفسه في المساء. وافق وليد على مضض لكنه حزن وبكى. ضاع وعدي وحزن وليد وحزنت انا ايضا.
وخطرت لي فكرة لم افخر كثيرا بها فسألته هل تعدني بالآ تخبر بابا ان ذهبنا الآن الى الفرع الثاني سرا، انت وانا؟
سأل ماذا يعني ذلك؟ قلت لا نخبر بابا. فرد من يكذب يدخل النار لن نكذب على بابا. قلت لن نكذب بل نمزح معه فقط وانت تستحق الهدية. ظل خائفا ومترددا وفي الوقت نفسه راغبا بشدة بالحصول على بلبل جديد. دخلنا المحل دون ان نخبر اسامة لكن صدق توقعه ولم نجد بلابل. وقبل ان يسطر علي الندم الشديد لعدم سماع كلام زوجي، ولحث ابني على الكذب من اجل غاية في نفسه، فوجئ وليد بمجموعة جديدة من وحوش بن تن Ben Ten واختار اجملها واغلاها. في الايام العادية ما كنت لاوافق لكن خيبات هذا اليوم وحبل الكذب القصير اضطراني.
قلت ونحن في السيارة عائدين الى البيت لا تلعب بها الآن في البيت حتى اخبر بابا بما فعلنا. فقط خبئها. قال العب بها الى ان يأتي ثم اخبئها. قلت لا تخبره اننا اتينا هنا فقط قل ماما احضرتها لي لانها لم تجد بلابل . صمت على مضض.
وعندما دخل ابوه البيت للغداء حمل الوحش خلف ظهره ووشوشني: متى ستخبرين بابا؟ فقلت فرحة: بابا انا لم اجد بلابل لكني احضرت لوليد لعبة جميلة، واعجب اسامة فعلا بخيارنا!
في صباح اليوم التالي، وبينما كان وليد يستمتع بالمشوار الصباحي الى المدرسة مع بابا، اخبره بكل شيء وقال له لا احب ان تكذب ماما عليك!
ولان الموضوع كان يتعلق بمكافأة لوليد، سامح بابا ماما على الكذبة البيضاء التي كادت ان تودي بكل المبادئ التي غرستها ماما في ابنها ذي السنوات الست!
ملاحظات:
ليس هناك كافيتيريا في مدرسته في امارة ام القيوين الاماراتية ولان المدرسة يرتادها ابناء صفوة المجتمع فان هؤلاد الابناء مدللون بالحصول على طعام الغذاء الساخن الطازج كل يوم. حاولت الامتناع عن العادة واعطاء وليد طعاما كافيا لوجبتين، لكن لما اكتشفت انه ربما الوحيد الذي لا ينال طعاما طازجا وقت الغداء تراجعت عن ذلك وبت احرص على القدوم في كل يوم الا في الحالات الطارئة.
وليد يتأخر في اختيار لعبة جديدة، لانه يملك ما يفوق اللالف لعبة
المشوار الصباحي الى المدرسة في الاسبوعين الاخيرين من العام الدراسي 2011 كان يحتاج نصف ساعة او اكثر بقليل بسبب انتقالنا الى بيت جديد وكان في السابق يحتاج دقيقتين. نصف ساعة قيمة يقضيها وليد مع بابا اسامة يتسامران ويستمعان الى الاغنيات التي تختارها ماام على الاذاعة نزولا عند رغبتهما ( ooopppps هذا كان سرا)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق