
كان يوما مشمسا في يناير 2011 وشقيقتي الصغرى في زيارتنا في الامارات مع صديقتها. وقد جهزنا لرحلة في البر نعرفهما فيها على الطبيعة الصحراوية الجميلة. تأكدنا من حال الطقس من المركز الوطني للارصاد الجوية قبل يوم من الرحلة وتم اعداد التجهيزات من لوازم الاكل لحم ودجاج للشوي وغيره للمجبوس الاماراتي والخضار للتبولة والسلطة والسندويشات، والعاب الاطفال ومستلزماتهم . وخرجنا في موكب كبير يضم عددا من السيارات وكنت فرحة جدا باصطحاب اطفالي الثلاثة لان المجموعة كانت كبيرة والاهتمام بهم يصبح اسهل بوجود المحبين.
بدأ اليوم جميلا والجميع يتناوبون على ركوب الدراجات الصحراوية بمتعة كبيرة، وابني وليد يحفر الرمل بادوات يحبها وجنا تستمتع بالمرجيحة وعبدالله من يد ليد ومن قبلة لاخرى، الجميع مشغول بعمل ما، وانا كنت مسؤولة الكافيتريا اتفنن بتقديم السندويشات للجميع ، تصبيرة قبل ان يجهز الغذاء من لحم مشوي وبطاطا مشوية بالجبن ومجبوس يعده صديق زوجي خالد المطروشي!
ثم بدأ الشباب يتهامسون ان المطر يبدو قريبا، ففكرت ربما سحابة وتمر على خير دون ان تخرب جمعتنا. ادخلت الاطفال الى المجلس المغطى على ان نتلهى في الداخل الى ان تمر تلك "السحابة"، لكن حساباتي كانت خاطئة وحسابات الارصاد الجوية كذلك. اصبح المطر اقوى بسرعة كبيرة دون ان نفطن حتى لادخال ما يمكن ادخاله من حاجياتنا الى المجلس، وبدأت الريح تشتد بشكل اثار ذعر الصغار الذي تساءلوا عن تلك الاصوات القوية التي كان يسببها ارتطام الهواء بالاخشاب والحديد والشوادر، حاول الرجال حماية موقد النار في البداية، لكن سرعات ما انصب اهتمام الجميع على حماية الاطفال والنساء بعد ان رأينا حجم العاصمة القادمة في زوبعة سوداء كالافلام تماما مليئة بالبرد (بفتح الباء والراء) والبرق والرعد! لم تعد خيمة المجلس مكانا آمنا بعد ان اعتقدناها كذلك، فجلست الفتيات والنساء في الوسط يحمين الاطفال وانا ادعو الله ان يبقي اطفالي في حضني، انظر حولي غير مصدقة ما يحدث. علا صراخ جنا التي خافت كثيرا وخفت على وليد الذي كان لباسه خفيفا وعبدالله الذي كان الابعد عن حضني. كان المطر المحمل بالبرد يضرب جسمي وتسلل الماء الى المجلس الذي تحول الى بحيرة صغيرة باردة! خوفي ظهر في دموعي بعد ان رأيت زوجي راكعا صارخا بالدعاء، لا حول لنا ولا قوة على هول العاصفة الآن الا رب العالمين، فان الريح ترفع كل ما دربها، بدأت اصلي وادعي في قلبي الا ترفع العاصفة السقف عنا والا ترفع ابنائي بعيدا عني... رأيت الموت امامي وضعفت امام عجزي على حماية صغاري! كنت ما زلت اصرخ سحابة وتمر والرجال يحملون السجاد والوسائد والاغطية لحمايتنا... فادركت ان السحابة على ما يبدو لن تمر على خير خاصة بعد ان طار مبنى الحمام واصبح مبنى المطبخ الذي حجزت فيه خالتي مهددا والكل يصرخ انها في خطر، وتبين بعد ذلك انها الوحيدة التي كانت في اكبر مأمن! لكن العاصفة مرت!
وبعد ان خفت سرعة الرياح اسرعنا الى السيارات وكان كل هم زوجي ان يرسلنا الى البيت ليشعر ان الاطفال وانا بامان وكل من معنا. لم يستطع الاكل او النوم مدة يومين لان التوتر والقلق والخوف نالوا منه ما نالوا!
لم اكن في حياتي اكثر صبرا على شغب الابناء كما كنت في الايام التي تلت تلك الحادثة. واظنكم تعرفون السبب!