سألني وليد يوما ونحن في السوق، حين توقفنا امام منصة صغيرة لاحدى الجمعيات الخيرية:
- ماما صورة من على هذه البطاقة؟
- انه طفل صغير.
- هل نعرفه؟ هل نعرف اسمه؟
- لا حبيبي، لا نعرفه.
- لماذا هو حزين؟
- لانه فقير جدا ماما.
- ما معني فقير؟
- فقير يعني انه لا يملك بيتا او مالا او العابا او ثيابا.
- هل هناك اطفال لا يملكون العابا؟
- نعم يا حبيبي هناك الكثير منهن.
- لماذا لا يشتر لهم ابوهم العابا؟ الا يحبهم؟
- بلى يحبهم لكن هو ايضا لا يملك مالا ليشتري لهم العابا او ثيابا او حتى طعاما احيانا!
- اينامون دون طعام؟
- احيانا.
- نحن لدينا الكثير من الطعام، هل ممكن ان نعطيهم؟
- ربما لو كان بيتهم قريبا، لكن بما انهم يسكنون في مكان بعيد نحن سنعطي المال لهذه الجمعية وهي ستشتري لهم طعاما، ما رأيك؟
- حسنا (قالها بحماسة وفرح شديدين). ولكن اين ينامون؟
- في مخيم يجهزه لهم اناس طيبون!
- ما معنى مخيم؟
- انه مجموعة من الخيم الصغيرة التي تشبه البيوت الصغيرة.
- هل نستطيع ان نزورهم الآن؟
- اليوم لا ولكن ربما عندما تكبر تستطيع التطوع مع جمعية لمساعدة اطفال افريقيا!
- ما معنى تطوع؟
- اي ان تعمل لمساعدتم دون اجر، دون ان تاخذ مالا لقاء عملك.
- ما معنى افريقيا؟
- انها قارة تضم بلدانا كثيرة انها حيث يعيشون!
اعطيته المال واعطاه للمسؤول عن المنصة وقال له اشتر طعاما لهذا الطفل. ابتسم الرجل وشكرنا، وصار التبرع لهذه الجمعية من عادات التسوق عند وليد في كل مرة.
المستشفى الذي اجرى فيه عبدلله جراحته الصغيرة، قريب من البيت. فخرجنا في الوقت المناسب ووصلنا في الوقت المحدد لكن لم يدخل بودي غرفة العمليات حتى العاشرة والنصف. اي اننا جلسنا في الغرفة ساعة ونصف. لعب الايباد ولعب بادوات المطبخ الجديدة، وحاولنا قدر الامكان تشتيت انتباهه عن الطعام لانه ممنوع قبل الجراحة. عبدلله طفل قوي.
في الوقت المحدد، لبس عبودي الثوب المخصص، ولبس بابا اسامة كذلك الثوب المعقم ليرافق بودي الى غرفة التجهيز للعملية. وقبل ان يستنشق البنج، سأل بابا :"شو بدكن تعملولي؟" حاول اسامة جاهدا اخفاء دموعه. ما هي الا ثوان حتى نام طفلي تماما واخذوه الى الجراحة (لوز ولحمية). وخرج زوجي يبكي من خوفه عليه ومن تأثير البنج على جسده الصغير "اصبح كالخرقة بين يدي"! هدأته وبدأ توتري. قالوا عشرين دقيقة الى نصف ساعة. لكنه تاخر قليلا. الطفل الذي اجرى العملية قبله، خرج يبكي ويصرخ بشكل كبير.خفت ومرت الدقائق العشر ما بعد النصف ساعة كالدهر. الى ان سمعت بكاء ابني فبدات بالبكاء بدوري، وزوجي الآن يهدئ روعي. بكى قليلا ثم اخرجوه الى الغرفة حيث ننتظره. صغيري نام بهدوء بعد الجراحة، وبعد اقل من ساعة افاق وشرب الماء وذاق البوظة ونام مجددا ساعتين او اكثر. ثم افاق وحمل حقيبته للذهاب الى البيت، رفض فتح الهدايا واللعب بها في المستشفى، بل في البيت، اصر! كان علينا ان ننتظر عودة الطبيب في الخامسة، ساعتين كاملتين من الانتظار! لكن والحمدلله نام مجددا في حضن ابيه. يحبه اكثر مني! اعتصر قلبي سعادة من كم الحب وتمنيت لو انا من يضمه في المه! لكن انا وبابا واحد في الحب.
عدنا الى البيت في الخامسة ونحن ننتظر ان يتعافى بودي تماما!
الحمدلله على السلامة.
بعد ساعات قليلة سيخضع طفلي عبدلله لعملية استئصال اللحمية واللوزتين. نسبة كبيرة جدا من الاطفال تخضع لهذا الاجراء الذي اصبح سهلا جدا. لكن القلق لم يساعدني على النوم قبل منتصف الليل، والخوف ملأ ليلي كوابيس، والتوتر اقعدني منذ الرابعة فجرا.
اطمئن نفسي بان عبدلله طفل قوي، يتأقلم بسرعة ولا يخاف مما لا يعرفه. وطمأنني الطبيب بان الاجراء سهل جدا ولا يتطلب اكثر من 20 دقيقة الى نصف ساعة على ابعد تقدير، وانه يخرج من المستشفى في اليوم نفسه ويتناول الطعام في اليوم نفسه كذلك.
اصلي في كل دقيقة ان يتم تخديره قبل ان يؤخذ الى غرفة العمليات، حتى لا يعيش لحظات رعب فراقنا علما انه لا يخاف مما لا يعلم لكن ماذا لو لم يكن الطبيب ومساعديه لطفاء معه، وتصرفوا بميكانيكية يمليها عليهم عملهم؟ فأنا ما زلت لليوم اذكر، وقد كنت في مثل سن عبدلله تقريبا، في الرابعة، اذكر كيف اخذني طبيب التخدير من امي وكم بكيت وكم خفت، وكيف ادخل الابرة في يدي، وبنيت في داخلي فوبيا من غرف العمليات لم اتخطاها حتى اليوم رغم خضوعي لعدد لا باس به من العمليات الجراحية.
جنا خضعت لهذه العملية من قبل، وقيل لي يومها ان طبيبها هو الافضل في مجاله في المستشفى، لكن اتضح العكس تماما، من كم اثار الجراحة على وجهها، جراحة كان من المفترض ان تكون بسيطة ودون آثار. يومها اخذوا جنا صاحية واخضعوها لاجراء ابرة المحلول وهي صاحية واخرجوني طوعا من الغرفة لكثرة صراخي. اذكر كذلك انها تعافت بسرعة في اليوم نفسه بعد ان مرت في مرحلة استفراغ البنج.
واذكر ان وليد ابن الثامنة والنصف اليوم، عانى كثيرا لسنوات طويلة من التهاب اللوزتين، لكن خوفي من اخضاعه للتجربة جعلني اؤجلها... لاجل غير مسمى! اعتقد انه على الام ان تقسي قلبها قليلا في مواقف معينة رأفة باطفالها، فالدلال المفرط لا فائدة منه!
عبدلله اليوم "اللحمية" لديه ضخمة وهي تخنقه ليلا! لذا وجبت الجراحة، وبما ان لوزه تلتهب كل اسبوعين مع حرارة مرتفعة تصل الى الاربعين درجة مدة 3 ايام او اكثر، وجبت الجراحة، وبما انه يكاد يختنق في الليل واركض به الى الطوارئ، اقتنعت باجراء العملية، وكذلك والده الذي يخاف عليه، بل عليهم اكثر مني بكثير...
بالسلامة عبودي.