الثلاثاء، 19 أبريل 2011

يد ماما الشافية!


كنت اعلم بل كنت واثقة تماما في طفولتي ان لكل مشكلة حل في يد امي. لكل داء دواء في جعبتها خاصة انها كانت تسبق حاضرها في تحليلها للامور وتفكيرها وبعد نظرها. كانت تعرف الدواء لكل مرض يصيبني وقد انقذني وعيها من الموت وانا في العاشرة حين شكت في ان عوارض المي كانت "الزائدة الدودية" ونقلت الى المستشفى لعملية جراحية طارئة في الثانية صباحا.
اذكر بشكل مبهم المرض الجلدي الذي الم بي وانا في الرابعة، اذكر ان قريبة لي سألتني عن سبب التقرحات في رجلي وانا ارتدي التنورة لاول مرة منذ فترة بسبب خجلي من هذا الطفح الجلدي المستشري وكنت على درج البيت. واذكر رائحة زيت الزيتون الذي نقعت فيه في مزار مارالياس لعدة مرات لعل الندر لمارالياس يشفيني ولبست ثوبه كذلك، لكن لم اشف الا حين تم استئصال اللوزتين ومن تلك العملية لا اذكر الا لحظة الرعب حين تم تسليمي لطبيب البنج واخذني بعيدا عن حضن ماما وانا ابكي واصرخ وهو يضرب يدي ليجد المكان المناسب لابرته! ويضحك ويحادثني وكأن شيئا لم يكن، هذا الرجل الضخم الملتحي المخيف سرقني من ماما ويريد "غزي بابرة" وهو يضحك ! كل ما فكرت فيه في تلك اللحظة هو اني لن ارى ماما ثانية، وهل تتخيلون لحظات مرعبة اكثر من ذلك!
كانت تلك الحادثتين ابرز ما مررت به من حوادث اساسية تدعو للقلق، وكل ما عدى ذلك كان يكفي لحله لمسة من يد ماما و"دواء احمر" او كليب او بتنوفات! وعلى سيرة الكليب تذكرت الآن حين احرقت يدي بالجمر! نعم وحادث ثالث ينضم للحادثين الماضيين! كنت العب مع ابن عمتي وخالي توأمي بول في بيت كنا نستأجره في مصيف برمانا في لبنان، نركض حول الكراسي في الباحة الخارجية واذا بي اسقط في "منقل الجمر" ويدي تدخل في نار خامدة لكنها كافية لحرق جلد طفلة صغيرة(لم اعد اذكر سني) ، سارعت امي في وضع طبقات من مرهم الكليب على مكان الاصابة الظاهرة حتى اليوم على معصم يدي اليمنى، وجلست في حضنها اصرخ وابكي!
واليوم ومن خلال ابني وليد اعرف ان التخلص من الالم عملية ذهنية قبل ان تكون جسدية ولي في ذلك مع وليد تجارب عدة سارويها في قصص لاحقة.

الثلاثاء، 12 أبريل 2011

قلقت على وليد!


لم اقلق يوما على وليد كما فعلت الليلة، ليس لاني لم اهتم من قبل، وليس لانه لم يواجه اية مشكلة حقيقية من قبل، وهو لم يفعل فعلا! وليس لانه لم يدخل المستشفى او يخضع لجراحة او علاج وقد فعل ولم يتخط بعد السنة الاولى من عمره، قلقت كثيرا لانه ولاول مرة ينال عقابا في المدرسة ويخاف ويبكي! امر جدي خارج عن ارادتي وسيطرتي، ليس عقابي او عقاب والده الذي يختفي مع اول عذر ودمعة، بل تكفي "تسبيلة" حتى تحل الاحضان مكان العقاب والسماح مكان الغضب!
لست انكر ان وليد مشاغب قليلا في المدرسة وربما كثيرا ايضا، في بعض الاحيان، لكنه يحسب حساب المدرّسة والمديرة والناظر ايضا. لقد شكت المدرسة في السابق عدة مرات من شغبه لان اصدقائه يخبرونها بانه ضربهم او رمى الرمل عليهم، وهو يؤكد لي في المقابل انهم هم من بدأ الشغب. وابني "مش هين" ويدافع عن نفسه و لا يهاب حتى الاطفال الذين هم اكبر منه في الصف او السن او الحجم! وقد شكا ايضا كثيرا من ان الاولاد الذين يحب هو اللعب معهم يرفضون اشراكه في اللعب في احيان كثيرة ان لم نقل في غالب الاوقات، فهم من جنسية معينة ولا يصادقون غالبا الا من جنسيتهم. يشكي الوحدة يوما في الملعب وينساها في ايام كثيرة لانه يفرض نفسه على اجواء اللعب بالكاريزما التي يملكها وقوة الشخصية.
اشتكى الاولاد من شغبه واخبروا المديرة مرة والمدرّسة مرة والناظر مرة اخرى، وها هي المدرّسة اليوم تنهره وتعاقبه بالمنع من اللعب في الغد وال detention ستكون في مكتب المديرة... قال لي ماما اخاف من الdetention فاخبرته ان لا بأس بها كونه لن يتعرض لاي اذى، وبامكانه ان يخبر اصدقاءه ان عيروه بالعقاب ، بان مكتب المديرة مكيف ونظيف ولن يؤذيه فيه احد ولن يرمي عليه احد الرمل ولن يرفض احد اللعب معه.
وطلبت منه ان يعدني بألا يرمي الرمل على احد من زملائه او الطلاب الاكبر منه حتى ولو بدأوا هم بمعركة الرمل تلك! بل ان يسارع بنفسه للشكوى قبل ان يسبقوه.
لست من محبي نظرية المؤامرة كثيرا لكني اعرف قدرة الاطفال على افتعال الاحداث وتخليها وقدرة الاولاد على اقصاء اي فرد من المجموعة وحمله على ارتكاب اخطاء قد لا تغتفر وقد تكون الحجة لعدم اللعب معه مجددا.
ابني عنيف احيانا، لكنه يخاف من النملة. فهو يتمنى ان يصبح البطل المصارع او الرجل الوطواط او الساحر بالتازار، لكنه يبكي اذا بكت اخته او اخيه، حبا وحنانا وخوفا عليهما! فهل جره زملاء الصف على معاملتهم هكذا او هل هو فعلا يفتعل المشاكل في المدرسة؟
امي اطال الله عمرها، علمتني ان اكون مع الحق مهما كان الثمن، وانا لا ارغب ان اشجع ابني على ارتكاب الاخطاء من خلال دعمه واعتباره الضحية دائما، ربما علي ان اتركه قليلا في ساحة المدرسة الصغيرة، وهي ساحة صغيرة من ساحات الحياة، يخطئ ليتعلم، يبكي قليلا ليضحك اكثر، يتعرض للظلم حتى لا يظلم احدا بعد ذلك، يكذب ليعرف ان حبل الكذب قصير، يغير في الحقائق ليعرف ان الحقيقة كالنور لا تخفى، يشعر بالضعف ليعرف ان حبي كبير وحب ابيه اكبر لمده بالقوة والمعرفة والحكمة.
الم يقل جبران اولادكم ليسوا لكم، اولادكم ابناء الحياة!